الموضوع. لأن المجال مجال تعديد محرمات بذاتها، فتكون هذه واحدة منها بعينها. وإلا فقتل النفس فاحشة، وأكل مال اليتيم فاحشة، والشرك بالله فاحشة الفواحش.
فتخصيص «الفواحش» هنا بفواحش الزنا أولى بطبيعة السياق. وصيغة الجمع. لأن هذه الجريمة ذات مقدمات وملابسات كلها فاحشة مثلها: فالتبرج، والتهتك، والاختلاط المثير، والكلمات والإشارات والحركات والضحكات الفاجرة، والإغراء والتزين والاستثارة ... كلها فواحش تحيط بالفاحشة الأخيرة. وكلها فواحش منها الظاهر ومنها الباطن. منها المستتر في الضمائر ومنها البادي على الجوارح. منها المخبوء المستور ومنها المعلن المكشوف وكلها مما يحطم قوام الأسرة، وينخر في جسم الجماعة، فوق ما يلطخ ضمائر الأفراد، ويحقر من اهتماماتهم، ومن ثم جاءت بعد الحديث عن الوالدين والأولاد.
ولأن هذه الفواحش ذات إغراء وجاذبية، كان التعبير: وَلا تَقْرَبُوا .. للنهي عن مجرد الاقتراب، سدا للذرائع، واتقاء للجاذبية التي تضعف معها الإرادة. لذلك حرمت النظرة الثانية- بعد الأولى غير المتعمّدة- ولذلك كان الاختلاط ضرورة تباح بقدر الضرورة. ولذلك كان التبرج- حتى بالتعطر في الطريق- حراما، وكانت الحركات المثيرة، والضحكات المثيرة، والإشارات المثيرة، ممنوعة في الحياة الإسلامية النظيفة .. فهذا الدين لا يريد أن يعرّض الناس للفتنة ثم يكلف أعصابهم عنتا في المقاومة. فهو دين وقاية قبل أن يقيم الحدود، ويوقع العقوبات. وهو دين حماية للضمائر والمشاعر والحواس والجوارح. وربك أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير.
وكذلك نعلم ما الذي يريده بهذا الدين، وبحياة المجتمع كله وبحياة الأسرة، من يزيّنون للناس الشهوات، ومن يطلقون الغرائز من عقالها بالكلمة والصورة والقصة والفيلم وبالمعسكر المختلط وبسائر أدوات التوجيه والإعلام»!
٥ - بمناسبة قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ نحب أن نتحدّث عن قضيتين: الأولى حول تأويل قوله تعالى:
أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ والقضية الثانية حول المراد ببعض آيات الله في هذا المقام؟ ولنتكلم عن القضيتين واحدة بعد أخرى:
ا- فسّر بعضهم قوله تعالى: أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بأن المراد منه: أو يأتي أمر ربك، بدعوى أنّ هذه الآية تشبه آية في سورة النّحل تتكلم عن نفس المقام هي قوله