فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم، ولا تعرض لهم لماهية هاتيك الصحائف والله تعالى أعلم بحقيقتها.
ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه. والبيهقي وغيرهم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصاح برجل من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقول سبحانه: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون فيقول: لا يا رب فيقول سبحانه: أفلك عذر وحسنة؟ فيهاب الرجل فيقول: لا يا رب فيقول جل شأنه: بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول: يا رب ما هذه البطاقة من هذه السجلات؟ فيقال إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة
في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله تعالى شئ» وهذه الشهادة- على ما قاله القرطبي نقلا عن الحكيم الترمذي- ليست شهادة التوحيد لأن من شأن الميزان أن يوضع في إحدى كفتيه شئ وفي الأخرى ضده، فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة، ومن المستحيل أن يؤتي لعبد واحد بكفر وإيمان معا، فيستحيل أن توضع شهادة التوحيد في الميزان أما بعد الإيمان فإن النطق بهذه الكلمة الطيبة حسنة فتوضع في الميزان كسائر الحسنات. وأيد ذلك بقوله جل وعلا في الحديث «إن لك عندنا حسنة» دون أن يقول سبحانه: إيمانا.
«وظاهر النظم الكريم أن الوزن ليس مختصا بالمسلمين بل الكفار أيضا توزن أعمالهم التي لا توقف لها على الإسلام وإلى ذلك ذهب البعض. وادعى القرطبي أن الصحيح أنه يخفف بها عذابهم وإن لم تكن راجحة، كما ورد في حق أبي طالب. وذهب الكثير إلى أن الوزن مختص بالمسلمين. وأما الكفار فتحبط أعمالهم كيفما كانت، وهو أحد الوجهين في قوله تعالى فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً ولا يخفف بها عنهم من العذاب شئ، وما ورد من التخفيف عن أبي طالب فقد قال السخاوي أن المعتمد أنه مخصوص به، وعلى هذا فلا بد من ارتكاب خلاف الظاهر في الآية»
«وفي الأخبار ما هو صريح في أن الميزان جسماني فقد أخرج الحاكم وصححه عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السماوات والأرض لوسع فتقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك» وفي رواية ابن المبارك