قرارا- وأعمارا مضروبة إلى آجال معلومة، قد جرى بها القلم وأحصاها القدر، وأن الأرض لهم دار مدة الحياة الدنيا، فيها محياهم وفيها مماتهم، وقبورهم، ومنها نشورهم ليوم القيامة الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين ويجازي كلا بعمله.
وهكذا فبعد مقدمة السورة الآمرة الناهية، الواعظة المذكرة، المنذرة للإنسان تبدأ القصة قصة الجنس البشري يقول صاحب الظلال:
تبدأ بالحديث عن التمكين للجنس البشري في الأرض .. وذلك بما أودع الله هذا الكون من خصائص وموافقات تسمح بحياة هذا الجنس وتمكينه في الأرض. وبما أودع الله هذا الجنس من خصائص وموافقات مع الكون، ومن قدرة على التعرف إلى نواميسه واستخدامها. والانتفاع بطاقاته ومقدراته ومدخراته وأقواته: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ ..
وليس هذا الا التمهيد لعرض قصة النشأة الأولى وتصوير نقطة الانطلاق التي بدأت منها البشرية رحلتها المرسومة والسياق يركز في هذه السورة على هذه النقطة.
ويعرض قصة النشأة ويتخذها كذلك نقطة تعقيب للإنذار والتذكير المستمدين مما في مشاهدها وأحداثها من عظات موحية ومؤثرات عميقة ......
وبهذا المشهد في نقطة الانطلاق يتحدد مصير الرحلة كلها، ومصائر المرتحلين جميعا .. وتلوح طلائع المعركة الكبرى التي لا تهدأ لحظة طوال الرحلة بين هذا العدو الجاهر بالعداوة، وبني آدم جميعا. كما تلوح نقط الضعف في الكائن الإنساني جملة، ومنافذ الشيطان إليه منها.
ومن ثم يتخذ السياق من المشهد مناسبة للتعقيب الطويل وللإنذار والتحذير .. تحذير بني آدم مما جرى لأبويهم من هذا العدو العنيد .. وفي ظل هذا المشهد الذي يقف فيه الشيطان وجها لوجه مع آدم وزوجه أبوي البشر. وفي ظل النتيجة التي انتهى إليها الشوط الأول في المعركة يتوجه السياق بالخطاب إلى بني آدم، ويذكرهم وينذرهم، ويحذرهم مصيرا كهذا المصير ..... »