فالجميع تحت قهره وتسخيره ومشيئته فهو الذي له الخلق، ومن كان هذا شأنه فله الأمر، وليس لأحد أن ينازعه حق الأمر فهو الإله والخلق عبيد، وليس من أحد له حق الأمر معه إلا بإذنه ويختم الله عزّ وجل الآية بالثناء على نفسه تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.
وفي هذا السياق يرشدنا تعالى بعد أن عرفنا على قدرته وعلمه إلى دعائه الذي فيه صلاحنا في دنيانا وأخرانا، ويرشدنا أن يكون هذا الدعاء على حال التذلل والاستكانة والخشوع بأن يجتمع فيه التضرع والخفية وقد فسر ابن جرير تضرعا فقال: تذللا واستكانة لطاعته. وفسر خفية: بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين بوحدانيته وربوبيته فيما بينكم وبينه لا جهارا مراءاة. وقد بين تعالى أنه لا يحب المعتدين لا في الدعاء ولا في غيره. ثم نهى عن الإفساد في الأرض وخاصة بعد الإصلاح، فإنه إذا كانت الأمور سائرة على السداد ثم وقع الإفساد بعد ذلك كان أضر ما يكون على العباد، فنهى تعالى عن ذلك وأمر بعبادته ودعائه والتضرع إليه والتذلل إليه خوفا مما عنده من وبيل العقاب، وطمعا فيما عنده من جزيل الثواب مبينا أن رحمته مرصدة للمحسنين الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره.
وبعد أن ذكر أنه خالق السموات والأرض وأنه المتصرف الحاكم المدبر المسخر، وأرشد إلى دعائه لأنه على ما يشاء قادر، يعود السياق ليعرفنا تعالى على ذاته من خلال عنايته ورعايته ورحمته بعباده، ويذكرنا في الوقت نفسه باليوم الآخر، فأخبر أنه هو الذي يرسل الرياح مبشرات بين يدي المطر الذي هو مظهر من مظاهر رحمته العظمى بخلقه، حتى إذا حملت الرياح سحابا ثقالا أي من كثرة ما تحمل من الماء يسوقه الله إلى أرض مجدبة ميتة لا نبات فيها فيخرج به من كل الثمرات، فكما يحيي الله هذه الأرض بعد موتها كذلك يحيي الأجساد بعد صيرورتها رميما يوم القيامة، فمن كان له قلب فإنه يتذكر، ثم ضرب الله مثلا للمؤمن، والكافر بالبلد الطيب، والبلد الخبيث، فالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه سريعا وحسنا وطيبا ومباركا، وأما البلد الخبيث كالسباخ وغيرها فإن نباته لا يخرج إلا خبيثا لا خير فيه، فكذلك المؤمن ينزل على قلبه القرآن فينمو إيمانه وينمو الخير في قلبه، وأما الكافر فلا يزيده الوحي إلا عنادا، ويختم الله المقطع بالتذكير أنه يصرف الآيات لقوم يشكرون.
ذكرنا في بداية المقطع بتمكيننا في الأرض، وجعله لنا فيها معايش لنشكر، وذكرنا بما أنعم علينا من نعمة الوحي في آخر المقطع لنشكر، فمن لم تستجلب نعمة الله في الكون