الحقل بعرق وجهك، تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها، لأنك تراب إلى تراب تعود).
١١ - الملاحظ أن إبليس لم ينكر صفات الله ولا وجوده، ومع ذلك فقد كفر، وفي هذا أكبر رد على من يتصور أن مجرد الإيمان بوجود الله يدخل صاحبه في عداد المسلمين المؤمنين، بل لا بد من الإيمان والتسليم وفي هذا يقول صاحب الظلال:(لقد جعل إبليس له رأيا مع النص. وجعل لنفسه حقا في أن يحكم نفسه وفق ما يرى هو من سبب وعلة مع وجود الأمر .. وحين يوجد النص القاطع والأمر الجازم ينقطع النظر.
ويبطل التفكر وتتعين الطاعة، ويتحتم التنفيذ .. وهذا إبليس- لعنه الله- لم يكن ينقصه أن يعلم أن الله هو الخالق المالك الرازق المدبر، الذي لا يقع في هذا الوجود شئ إلا بإذنه وقدره .. ولكنه لم يطع الأمر كما صدر إليه ولم ينفذه .. بمنطق من عند نفسه:
قالَ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ فكان الجزاء العاجل الذي تلقاه لتوه:
قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ. إن علمه بالله لم ينفعه، واعتقاده بوجوده وصفاته لم ينفعه .. وكذلك كل من يتلقى أمر الله؛ ثم يجعل لنفسه نظرا في هذا الأمر يترتب عليه قبوله أو رفضه؛ وحاكمية في قضية قضى الله فيها من قبل، يرد بها قضاء الله في هذه القضية .. إنه الكفر إذن مع العلم ومع الاعتقاد. فإبليس لم يكن ينقصه العلم. ولم ينقصه الاعتقاد!).
١٢ - إن قصة آدم وردت في سورة البقرة كما رأينا، وترد هنا الآن مرة ثانية.
وقصة بني إسرائيل وردت في سورة البقرة، وترد هنا مرة ثانية، ولكنهما تردان هنا ضمن السياق الخاص لسورة الأعراف، وبما يخدم هذا السياق، وهناك وردتا ضمن السياق الخاص لسورة البقرة بما يخدم ذلك، ومن ثم نفهم حكمة من حكم تكرار القصة القرآنية، إننا نلاحظ أن معاني من القصة ترد في مكان، ومعاني أخرى ترد
في مكان. وقد تشترك المعاني أحيانا، وتفترق أحيانا وكل ذلك لتؤدي في سياقها الخاص والعام ما يخدم السورة التي هي فيها ضمن سياقها ومحلها ومكانها. فمثلا قصة آدم في سورة البقرة تخدم سياقها الخاص الذي هو سياق الأمر اعْبُدُوا فهي نموذج للانحراف عن الأمر، وما يترتب عليه، وكيف ينبغي أن يفعل الإنسان ليتخلص من مخالفته. أما قصة آدم في سورة الأعراف فهي تخدم موضوع الاتباع وما يترتب عليه، والكفر وما يترتب عليه.