المتفرد بالخلق والأمر، أمر عباده أن يدعوه مخلصين متذللين فقال عزّ من قائل ادْعُوا رَبَّكُمْ.
٧ - في تفسير قوله «خفية» في قوله تعالى ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً يقول الألوسي: («وخفية» أي سرا. أخرج ابن المبارك وابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن قال: لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت، إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أنه تعالى يقول: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً وأنه سبحانه ذكر عبدا صالحا فرضي له فعله فقال تعالى إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا وفي رواية عنه أنه قال: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا. وجاء فى حديث أبي موسى الأشعري أنه قال صلى الله عليه وسلم لقوم يجهرون:«أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا بصيرا، وهو معكم، وهو أقرب من أحدكم من عنق راحلته» والمعني: ارفقوا بأنفسكم واقصروا من الصياح في الدعاء).
٨ - وفي آداب الدعاء يقول الألوسي:(وروى ابن جرير عن ابن جريج أن رفع الصوت بالدعاء من الاعتداء المشار إليه بقوله سبحانه: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وأخرج ابن أبي حاتم مثله عن زيد بن أسلم، وذهب بعضهم إلى أنه مما لا بأس به، ودعاء المعتدين الذي لا يحبه الله تعالى هو طلب ما لا يليق بالداعي، كرتبة الأنبياء عليهم السلام، والصعود إلى السماء، وأن منه ما ذهب جمع إلى أنه كفر، كطلب دخول إبليس وأبي جهل وأضرابهما الجنة، وطلب نزول الوحي والتنبي ونحو ذلك من المستحيلات لما فيه من طلب إكذاب الله تعالى نفسه. وأخرج أحمد في مسنده وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وحسب المرء أن يقول: اللهم إني أسألك الجنة، وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول وعمل، ثم قرأ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وفصل آخرون فقالوا: الإخفاء أفضل عند خوف الرياء، والإظهار أفضل عند عدم خوفه، وأولى منه القول بتقديم الإخفاء على الجهر فيما إذا خيف الرياء، أو كان في الجهر تشويش على نحو مصل، أو نائم، أو قارئ، أو مشتغل بعلم شرعي، وبتقديم الجهر على الإخفاء فيما إذا خلا عن ذلك، وكان فيه قصد تعليم جاهل، أو نحو إزالة وحشة عن مستوحش، أو طرد نحو نعاس أو كسل عن الداعي نفسه، أو إدخال سرور على قلب مؤمن، أو تنفير مبتدع عن بدعة، أو نحو ذلك).