وأما صالح فكذلك: دعا قومه إلى عبادة الله وتذكر نعمه، وأتاهم بالمعجزة الشاهدة على صحة رسالته وهي الناقة؛ فأصروا على الكفر والاستكبار والصد عن سبيل الله وقتلوا الناقة، فعاقبهم الله بالزلزال والصيحة فماتوا أجمعون ونجى الله صالحا والمؤمنين.
وأما لوط: فقد دعا قومه إلى ترك إتيان الرجال- وهي الفاحشة التي لم تعرفها البشرية قبلهم- فكان موقف قومه تكذيبه وتهديده بالإخراج من قريتهم؛ فعاقبهم الله فأمطر الله عزّ وجل عليهم حجارة من السماء أهلكتهم، وخسف بقراهم وأنجى الله لوطا والمؤمنين.
وأما شعيب: فقد دعا قومه إلى عبادة الله، والوفاء بالكيل والميزان، وألا يخونوا الناس في أموالهم، وأن يتركوا الفساد في الأرض، وألا يصدوا عن سبيل الله، وأن يتذكروا نعمة الله عليهم، فكان موقفهم أن هددوه بالنفي من أرضهم هو ومن معه؛ فعاقبهم الله بأن أهلكهم بزلزال رافقته صيحة وصاعقة من السماء ونجى الله شعيبا والمؤمنين.
وبعد أن بين الله عزّ وجل مواقف هذه الأمم من الهدى المنزل عليها بواسطة رسلها وما عاقبهم به في الدنيا وكيف نجى المؤمنين، يذكر الله عزّ وجل ما اختبر به الأمم الماضية الذين أرسل إليهم الأنبياء، بأن سلط عليهم البأساء فأصابهم في أبدانهم. والضراء فأصابهم بالفقر والحاجة، وكل ذلك من أجل أن يتضرعوا إليه فيدعوه ويخشوه ويبتهلوا إليه في كشف ما نزل بهم. ابتلاهم بالشدة ليتضرعوا، فما عقلوا شيئا من الذي أراد منهم؛ فقلب عليهم الحال إلى الرخاء ليختبرهم فيه، فحول الحال عليهم من شدة إلى رخاء، ومن مرض وسقم إلى صحة وعافية، ومن فقر إلى غنى، ليشكروا على ذلك فما فعلوا واستمر حالهم على الكفر حتى كثرت الأموال والأولاد، واعتبروا كلا الحالين عاديا لا علاقة لله فيه، ولا علاقة لما هم فيه من الكفر بكلا الحالين. ابتلاهم الله بهذا ليتضرعوا وينيبوا إلى الله، فما نجع فيهم لا هذا ولا هذا، ولا انتبهوا بهذا ولا هذا.
وقالوا قد مسنا من البأساء والضراء، ثم بعده من الرخاء مثل ما أصاب آباءنا في قديم الزمان والدهر. وإنما هو الدهر تارات وتارات. فلم يتفطنوا لأمر الله فيهم، ولا استشعروا ابتلاء الله لهم في الحالين، وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون الله على السراء والضراء، هذا كله والرسل بين أظهرهم تدعوهم إلى الله، وتقيم عليهم الحجج