ويظهر الله على أيديهم المعجزات وهم غافلون لا يتعظون بكلام نبي ولا بعقوبة ربانية واعظة، حتى إذا أعذروا من أنفسهم أخذهم الله بالعقوبة فجأة وبغتة، وعلى غير شعور منهم أو مقدمات، مع أنهم لو آمنوا بما جاءت به الرسل وصدقوا واتبعوا واتقوا الله بفعل الطاعات وترك المحرمات لفتح الله عليهم الدنيا، بإنزال المطر، وإنبات الأرض، ولكنهم كذبوا رسل الله فعاقبهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم.
وبعد أن ذكر- عزّ وجل- سنته في الأمم التي ينزل عليها هدى، ويرسل لها رسلا، من خلال ذكر النماذج السابقة في القصص الخمس. ومن خلال ذكر القاعدة الكلية بعد ذلك، وإذ كان هذا كله من أجل أن يعقل هذا العالم الذي بعث له رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد، فإن الله عزّ وجل يعقب على ما مضى كله بالوعظ والتحذير، فخوف وحذر البلاد والأمم أن ينزل بهم عذابه في ليل أو نهار، وهم غافلون، وحذرهم أن يأتيهم بأسه ونقمته وأخذه لهم، فإنه لا يأمن أحد من بأس الله إلا خاسر وغافل، وإنما تستحق البلاد والأمم ذلك في حالة كفرها وتمردها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته ودينه. ثم عجب الله من حال الذين يستخلفون في أرض من بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها، ثم يسيرون بسيرة الهالكين، فكيف لا يتعظون، والله قادر على أن يصيبهم بما أصاب السابقين، ولكنه الكفر والكبر والتكذيب الذي يستحق به أصحابه عمى القلب فلا يتعظون.
وبعد أن قص الله تعالى خبر قوم: نوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب، وما كان من إهلاكه الكافرين، وإنجائه المؤمنين، وأنه تعالى أعذر إليهم، بأن بين لهم الحق على ألسنة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين، وبعد أن بين الله سنته في الإهلاك بعد الإعذار وتقليب الأحوال، وبعد أن حذر العالم من عقابه، وبعد أن عجب من الغفلة بعد رؤية ما حدث للأمم أنهى هذا المقطع بأن بين لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه يقص عليه من أخبار الأمم السابقة، وأن هذه الأمم الهالكة قد جاءتهم رسلهم بالحجج على صدقهم فيما أخبروهم به، وأنهم لم يؤمنوا بما جاءتهم به الرسل؛ بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم كبرا فاستحقوا أن يطبع الله على قلوبهم، ثم بين تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أكثر الأمم السابقة لم يكن عندها وفاء لعهد الله الذي أخذه عليهم، بما جبلهم عليه وفطرهم، وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، فأقروا بذلك وشهدوا