على أنفسهم به، ثم هم خالفوه وتركوه وراء ظهورهم، وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة لا من عقل ولا من شرع، بل في الفطر السليمة خلاف ذلك، وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي عنه، ومع ذلك فقد نقضت أكثر الأمم عهد الله هذا، ثم بين تعالى أن أكثر الأمم السابقة فاسقة، خارجة عن الطاعة والامتثال.
وبتقرير هذا المعنى ينتهي المقطع، بعد أن استقر من خلاله ضرورة اتباع هدى الله المنزل ومآل العاصين والطائعين، وسنة الله في هؤلاء وهؤلاء، ومنها نفهم أن أكثرية الخلق لا تتبع الهدى، حتى لا يكون استغراب ولا تعليق للهدى بأكثرية أو أقلية. فالحق حق قبله الأكثرون أو رفضوه. وأهل الحق ناجون قلة كانوا أو كثرة. وأهل الباطل هالكون مهما كثروا.
ويجئ المقطع بما يحقق محور السورة ويعمقه، وعلى خطه وسياقه، ولا يحتاج إدراك ذلك إلى بذل جهد قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ
فالمقطع قص علينا من نبإ الهدى الذي أنزله الله عزّ وجل ومآل من اتبعوه في الدنيا، ومآل من صد، ومن قبل حدثتنا السورة عن مآل المؤمنين والكافرين في الآخرة.
يقول صاحب الظلال في عرضه لهذا المقطع:
(نحن مع موكب الإيمان .. هذه أعلامه وهذه علائمه وهذه هي معالم طريقه .. وهو يواجه البشرية في رحلتها الطويلة على هذا الكوكب الأرضي .. يواجهها كلما التوت بها الطريق، وكلما انحرفت عن صراط الله المستقيم، وكلما تفرقت بها السبل تحت ضغط الشهوات التي يقودها الشيطان من خطامها، محاولا أن يرضي حقده وأن ينفذ وعيده وأن يمضي ببني آدم من خطام هذه الشهوات إلى جهنم فاذا الموكب الكريم يواجه البشرية بالهدى ويلوح لها بالنور ويستروح بها روح الجنة ويحذرها لفحات السموم ونزغات الشيطان الرجيم عدوها القديم ..