إنه مشهد رائع .. مشهد الصراع العميق في خضم الحياة على طول الطريق. إن التاريخ البشري يمضي في تشابك معقد كل التعقيد، إن هذا الكائن المزدوج الطبيعة المعقد التركيب الذي يتألف كيانه من أبعد عنصرين تؤلف بينهما قدرة الله وقدره- عنصر الطين الذي نشأ منه وعنصر النفخة من روح الله التي جعلت من هذا الطين إنسانا- إن هذا الكائن ليمضي في تاريخه مع عوامل متشابكة كل التشابك، معقدة كل التعقيد .. يمضي بطبيعته هذه يتعامل مع تلك الآفاق والعوامل التي أسلفنا في قصة آدم الحديث عنها يتعامل مع (الذات) الإلهية مشيئتها وقدرها وجبروتها ورحمتها وفضلها .. الخ .. ويتعامل مع الملأ الأعلى وملائكته، ويتعامل مع إبليس وقبيلته، ويتعامل مع هذا الكون المشهود ونواميسه وسنن الله فيه، ويتعامل مع الأحياء في هذه الأرض، ويتعامل مع بعضه البعض يتعامل مع الآفاق والعوالم بطبيعته تلك وباستعداداته المتوافقة والمتعارضة مع هذه الآفاق والعوالم ..
وفي هذا الخضم المتشابك من العلاقات والروابط: يجري تاريخه من القوة في كيانه والضعف ومن التقوى والهدى، ومن الالتقاء بعالم الغيب وعالم الشهود ومن التعامل مع العناصر المادية في الكون والقوى الروحية ومن التعامل مع قدر الله في النهاية ... من هذا كله يتكون تاريخه .. وفي ضوء هذا التعقيد الشديد يفسر تاريخه.
والذين يفسرون التاريخ الإنساني تفسيرا «اقتصاديا» أو «سياسيا» والذين يفسرونه تفسيرا «بيولوجيا» والذين يفسرونه تفسيرا «روحيا» أو «نفسيا» والذين يفسرونه تفسيرا «عقليا» كل أولئك ينظرون نظرة ساذجة إلى جانب واحد من جوانب العوامل المتشابكة والعوالم المتباعدة التي يتعامل معها الإنسان، ويتألف من تعامله معها تاريخه، والتفسير الإسلامي للتاريخ هو وحده الذي يلم بهذا الخضم الواسع ويحيط به وينظر إلى التاريخ الإنساني من خلاله.
ونحن هنا أمام مشاهد صادقة لقد شهدنا مشهد النشأة البشرية، وقد تجمعت في المشهد كل العوالم والآفاق والعناصر- الظاهرة والخفية- التي يتعامل معها هذا الكائن منذ اللحظة الأولى، ولقد شهدنا هذا الكائن. باستعداداته الأساسية، شهدنا تكريمه في الملأ الأعلى وإسجاد الملائكة له، والبارئ العظيم يعلن ميلاده، وشهدنا ضعفه بعد ذلك وكيف قاده منه عدوه، وشهدنا مهبطه إلى الأرض، وانطلاقه في التعامل مع عناصرها