للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جدا بمدلولها الحقيقي فإن الطاغوت الذي يزاول الربوبية- بمزاولته للحاكمية بغير شرع الله وتعبيد الناس له بهذه الحاكمية وعدم إرسالهم لله- لا يطيق هذه العصبة كما لم يطق فرعون دعوة موسى إلى رب العالمين، وإعلان السحرة المؤمنين أنهم آمنوا برب العالمين، وكما ظل هو والملأ من قومه مصرين على رد هذه الدعوة والآيات تتوالى عليهم، والنكبات كذلك تتوالى عليهم من الجدب والآفات والجوع والبلاء ولكن هذا كله كان عندهم أيسر وأهون من التسليم بربوبية الله للعالمين لما تحويه من مدلول صريح بعزلهم هم عن مزاولة هذا السلطان المغتصب الذي يعبدون به الناس لغير رب العالمين.

كذلك تتجلى من خلال عرض هذه الآيات خطوات قدر الله بالمكذبين من أخذهم بالبأساء والضراء، ثم أخذهم بالرخاء والسراء، ثم أخذهم أخذ عزيز مقتدر في نهاية المطاف، والتمكين للمؤمنين الذين كانوا يستضعفون وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ.

ولكن بني إسرائيل غلبت عليهم جبلتهم الملتوية الخبيثة ففسقوا عن أمر الله- كما يجلو السياق القرآني ذلك- وراوغوا موسى نبيهم وزعيمهم ومنقذهم مراوغة مؤذية وعصوا وبطروا النعمة ولم يستقيموا ولم يشكروا، وتكرر منهم ذلك كله بعد مغفرة الله لهم وقبولهم- مرة بعد مرة- إلى أن حقت عليهم كلمة الله في النهاية وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

لقد صدق وعيد الله، ولا بد أن يصدق في مقبل الأيام، وإنما هي دورات لهم في التاريخ حتى إذا عتوا وأفسدوا وتجبروا واشتد أذاهم، بعث الله عليهم من يسومهم سوء العذاب إلى يوم القيامة.

وأخيرا فإن هذه السورة مكية وقد ورد فيها عن التواء بني اسرائيل ومعصيتهم وسوء جبلتهم الكثير .. بينما يزعم المستشرقون- اليهود والصليبيون سواء- أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يهاجم اليهود- بزعمهم- بهذا القرآن إلا بعد أن يئس في المدينة من استجابتهم له، وأنه كان يحاسنهم في مكة وفي أول عهده بالمدينة فيقول- بزعمهم- قرآنا لا يهاجمهم فيه إنما يحدثهم عن التقاء العرب بهم في النسب إلى جدهم إبراهيم، طمعا في إسلامهم له، فلما يئس منهم هاجمهم هذا الهجوم ... وكذبوا فهذه سورة مكية تصف الحق في

<<  <  ج: ص:  >  >>