ومن الجانب الآخر كان هؤلاء السحرة الذين آمنوا برب العالمين. وأسلموا لله وحده وأعلنوا الخروج من العبودية الزائفة للطاغوت المغتصب للربوبية واختصاصاتها كانوا يعلمون حقيقة المعركة بينهم وبين الطاغوت، إنها المعركة على العقيدة لأن هذه العقيدة تهدد سلطان الطواغيت بمجرد أن عبوديتهم خالصة لرب العالمين، بل بمجرد إعلان أن الله رب العالمين، ومن ثم قالوا لفرعون ردا على اتهامه لهم بأن هذا مكر مكروه في المدينة ليخرجوا منها أهلها وهو مرادف للاتهام في الجاهليات الحديثة لكل من يعلن ربوبية الله للعالمين بمعناها الجاد بأنه يعمل على قلب نظام الحكم وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا ثم لجئوا إلى ربهم الذي آمنوا به فتمردوا على العبودية لغيره قائلين رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ فكان هذا فرقانا جعله الله في قلوبهم حين استقرت حقيقة الإسلام لله فيها.
ومن خلال عرض الآيات التي جاء بها موسى لفرعون وملئه وما أخذهم الله به من السنين ونقص الثمرات وما أرسله عليهم من الآفات ومواجهتهم لهذا كله بالعناء والمراوغة والإصرار في النهاية على ما هم فيه حتى أهلكهم الله كما يقول تعالى وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا: لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ* وَقالُوا: مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ
من خلال عرض هذا كله تبين مدى إصرار الطاغوت على الباطل في وجه الحق، ومدى مقاومته للدعوة إلى رب العالمين ذلك أنه يعلم علم اليقين أن هذه الدعوة بذاتها هي حرب عليه بإنكار شرعية قيامه من أساسه، وما يمكن أن يسمح الطاغوت بإعلان لا إله إلا الله، أو أن الله هو رب العالمين إلا حين تفقد هذه الكلمات مدلولها الحقيقي وتصبح مجرد كلمات لا مدلول لها وهي في مثل هذه الحالة لا تؤذيه لأنها لا تعنيه، فأما حين تأخذ عصبة من الناس هذه الكلمات