للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كله فانطلق يعلن عزمه الوحشي البشع:

قالَ: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ:

٤ - وبمناسبة قوله تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ .. قال صاحب الظلال: (إنها إشارة التحذير الأول .. الجدب ونقص الثمرات .. و «السنين» تطلق في اللغة على سني الجدب والشدة والقحط وهي في أرض مصر، المخصبة المثمرة المعطاء تبدو ظاهرة تلفت النظر وتهز القلب، وتثير القلق، وتدعو إلى اليقظة والتفكر لولا أن الطاغوت والذين يستخفهم الطاغوت- بفسقهم عن دين الله فيطيعونه- لا يريدون أن يتدبروا ولا أن يتفكروا، ولا يريدون أن يروا يد الله في جدب الأرض ونقص الثمرات، ولا يريدون أن يتذكروا سنن الله ووعده ووعيده، ولا يريدون أن يعترفوا بأن هناك علاقة وثيقة بين القيم الإيمانية وواقعيات الحياة العملية .. لأن هذه العلاقة من عالم الغيب .. وهم أغلظ حسا وأجهل قلبا من أن يروا وراء الواقع المحسوس الذي تراه البهائم وتحسه- شيئا! وإذا رأوا شيئا من عالم الغيب لم يتفطنوا إلى سنة الله الجارية وفق المشيئة الطليقة، وإنما نسبوه إلى المصادفات العابرة، التي لا علاقة لها بنواميس الوجود الدائرة.

وكذلك لم ينتبه آل فرعون إلى اللمسة الموقظة الدالة على رحمة الله بعباده- حتى وهم يكفرون ويفجرون- كانت الوثنية وخرافاتها قد أفسدت فطرتهم وقطعت ما بينهم وبين إدراك النواميس الدقيقة الصحيحة التي تصرف هذا الكون كما تصرف حياة الناس والتي لا يراها ولا يدركها على حقيقتها إلا المؤمنون بالله إيمانا صحيحا ... الذين يدركون أن هذا الوجود لم يخلق سدى ولا يمضي عبثا، إنما تحكمه قوانين صارمة صادقة .. وهذه هي «العقلية العلمية» الحقيقية وهي عقلية لا تنكر «غيب الله» لأنه لا تعارض بين «العلمية» الحقيقية و «الغيبية» ولا تنكر العلاقة بين القيم الإيمانية وواقعيات الحياة لأن وراءها الله الفعال لما يريد الذي يريد من عباده الإيمان وهو يريد منهم الخلافة في الأرض والذي يسن لهم من شريعته ما يتناسق مع القوانين الكونية ليقع التناسق بين حركة قلوبهم وحركتهم في الأرض ..

لم ينتبه آل فرعون إلى العلاقة بين كفرهم وفسقهم عن دين الله وبغيهم وظلمهم لعباد الله ... وبين أخذهم بالجدب ونقص الثمرات .. في مصر التي تفيض بالخصب والعطاء ولا تنقص غلتها عن إعالة أهلها إلا لفسوق أهلها وأخذهم بالابتلاء لعلهم يتذكرون!.

<<  <  ج: ص:  >  >>