ونقف بعد ذلك أمام الروعة الباهرة لانتصار العقيدة على الحياة وانتصار العزيمة على الألم. وانتصار الإنسان على الشيطان. وهو مشهد بالغ الروعة .. نعترف أننا
نعجز عن القول فيه فندعه كما صوره النص القرآني الكريم).
٣ - وبمناسبة قول الملأ من قوم فرعون لفرعون: أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ .. يقول صاحب الظلال:
(فالإفساد في الأرض- من وجهة نظرهم- هو الدعوة إلى ربوبية الله وحده حيث يترتب عليها- تلقائيا- بطلان شرعية حكم فرعون ونظامه كله. إذ أن هذا النظام قائم على أساس حاكمية فرعون بأمره- أو بتعبير مرادف على أساس ربوبية فرعون لقومه- وإذن فهو- بزعمهم- الإفساد في الأرض، بقلب نظام الحكم وتغيير الأوضاع القائمة على ربوبية البشر للبشر، وإنشاء وضع آخر مخالف تماما لهذه الأوضاع الربوبية فيه لله لا للبشر. ومن ثم قرنوا الإفساد في الأرض بترك موسى وقومه لفرعون ولآلهته التي يعبدها هو وقومه .. ولقد كان فرعون إنما يستمد هيبته وسلطانه من الديانة التي تعبد فيها هذه الآلهة .. بزعم أنه الابن الحبيب لهذه الآلهة وهي بنوة ليست حسية! فلقد كان الناس يعرفون جيدا أن الفرعون مولود من أب وأم بشرين. إنما كانت بنوة رمزية يستمد منها سلطانه وحاكميته. فإذا عبد موسى وقومه رب العالمين، وتركوا هذه الآلهة التي يعبدها المصريون فمعنى هذا هو تحطيم الأساس الذي يستمد منه فرعون سلطانه الروحي على شعبه المستخف، الذي إنما يطيعه لأنه هو كذلك فاسق عن دين الله الصحيح .. وذلك كما يقول الله سبحانه: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ ... إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فهذا هو التفسير الصحيح للتاريخ .. وما كان فرعون بقادر على أن يستخف قومه فيطيعوه، لو لم يكونوا فاسقين عن دين الله .. فالمؤمن بالله لا يستخفه الطاغوت ولا يمكن أن يطيع له أمرا وهو يعلم أن هذا الأمر ليس من شرع الله ومن هنا كان يجئ التهديد لنظام حكم فرعون كله بدعوة موسى- عليه السلام- إلى بِرَبِّ الْعالَمِينَ وإيمان السحرة بهذا الدين وإيمان طائفة من قوم موسى كذلك وعبادتهم لرب العالمين .. ومن هنا يجئ التهديد لكل وضع يقوم على ربوبية البشر للبشر من الدعوة إلى ربوبية الله وحده .. أو من شهادة أن لا إله إلا الله .. حين تؤخذ بمدلولها الجدي الذي كان الناس يدخلون به في الإسلام.
ومن هنا كذلك استثارت هذه الكلمات فرعون. وشعر بالخطر الحقيقي على نظامه