الصحابة رضي الله تعالى عنهم اختلفوا في كونها سورة أو بعض سورة، ففصلوا بينها وبين الأنفال رعاية لمن يقول هما سورتان، ولم يكتبوا البسملة رعاية لمن يقول هما سورة واحدة، والحق أنهما سورتان إلا أنهم لم يكتبوا البسملة بينهما لما رواه أبو الشيخ. وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن علي كرم الله وجهه من أن البسملة أمان، وبراءة نزلت بالسيف، ومثله عن محمد بن الحنفية وسفيان بن عيينة، ومرجع ذلك إلى أنها لم تنزل في هذه السورة كأخواتها لما ذكر، ويؤيد القول بالاستقلال تسميتها بما مر.»
أقول: إن الأنفال وبراءة سورتان ولكنهما في حكم السورة الواحدة، فالأنفال تفصيل لفرضية القتال وما يحيط به، والثانية هي منشور القتال في الإسلام.
فبعد إذ تستقر أحكام القتال ولوازمه وأسبابه وما يترتب عليه وما يحتاجه في سورة الأنفال، تأتي سورة التوبة وكأنها منشور مبني علي ذلك.
وقد لاحظنا من خلال كلام الألوسي عن وجه مناسبة سورة الأنفال والأعراف، وعن وجه سورة براءة للأنفال أنه نظر إلى الصلة بين السور من خلال ما عبر عنه في عصرنا بالوحدة الموضوعية للقرآن، فقد رأى أن مواضيع طرقتها السورة السابقة أكملتها السورة اللاحقة. ونحن نضيف إلى ذلك ما له صلة بما فتح الله به من نظريتنا في الوحدة القرآنية.
فنقول عارضين الأمر من بدايته:
رأينا أن سورة آل عمران كانت تفصيلا لمقدمة سورة البقرة. أي للعشرين آية الأولى فيها، وأن سور: النساء والمائدة والأنعام كانت تفصيلا للتسع الآيات التالية. وأن سورة الأعراف كانت تفصيلا للقاعدة التي استقرت عليها قصة آدم التي جاءت في سورة البقرة بعد الآيات التسع السابقة، ثم نجد في سورتي الأنفال وبراءة تفصيلا لموضوع طرقته سورة البقرة في آياتها (٢١٦) - (٢١٧) - (٢١٨). فكأن ما بين ذلك كان تفصيلا يقتضيه سياق سورة البقرة، وكأنه امتداد لمعاني الآيات التي جاءت من
قبل، ففصلت في السور السابقة، ولم تعد تحتاج إلى تفصيل في القسم الأول من أقسام القرآن، ومثل ذلك الآيات التي تأتي بعد هذه الآيات الثلاث، ولذلك فبانتهاء سورتي الأنفال وبراءة يأتي القسم الثاني من أقسام القرآن ليفصل ما أجمل في سورة البقرة تفصيلا جديدا، على نفس النسق والتسلسل الوارد في سورة البقرة، مما يدل على