سورة الأنفال مدنية، آياتها خمس وسبعون، وكلماتها ألف وستمائة وإحدى وثلاثون كلمة، وحروفها خمسة آلاف ومائتان وأربعة وتسعون حرفا، وقد رأينا في الصفحات السابقة محل السورة في السياق القرآني العام ومحورها.
وككل سورة في القرآن فإن لسورة الأنفال سياقها الخاص، ووحدتها الخاصة، زيادة على ارتباطها في السياق العام للقرآن، ولذلك فإننا نلاحظ أن مقدمة السورة تقول: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لاحظ قوله تعالى: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ثم تسير السورة لنرى في خاتمتها- وذلك قبل الآية الأخيرة- قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لاحظ كذلك قوله تعالى: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا من هذا وأمثاله ندرك وحدة السورة، وترابط آياتها، وترابط فقراتها ومقاطعها، وترابط مقدماتها مع خاتمتها، وهذا كله سيتضح لنا أثناء العرض.
ولقد قدم صاحب الظلال لهذه السورة بعشرات الصفحات، ونجد أنفسنا أسرى كلماته ولذلك فسننقل مقتطفات من كلامه الذي قدم فيه لهذه السورة، مع نقل عنه من مكان آخر نرى أنه من المناسب أن ندخله في هذه المقتطفات:
قال رحمه الله:«نزلت سورة الأنفال التي نعرض لها هنا بعد سورة البقرة .. نزلت في غزوة بدر الكبرى في شهر رمضان من العام الثاني للهجرة بعد تسعة عشر شهرا من الهجرة على الأرجح .. ولكن القول بأن هذه السورة نزلت بعد سورة البقرة لا يمثل حقيقة نهائية. فسورة البقرة لم تنزل دفعة واحدة، بل إن منها ما نزل في أوائل العهد بالمدينة، ومنها ما نزل في أواخر هذا العهد. وبين هذه الأوائل وهذه الأواخر نحو تسع سنوات! ومن المؤكد أن سورة الأنفال نزلت بين هذين الموعدين؛ وأن سورة البقرة قبلها وبعدها ظلت مفتوحة؛ تنزل الآيات ذوات العدد منها بين هذين الموعدين، وتضم إليها وفق الأمر النبوي التوقيفي.»
«هذه السورة نزلت في غزوة بدر الكبرى .. وغزوة بدر- بملابساتها وبما ترتب عليها في تاريخ الحركة الإسلامية وفي التاريخ البشري جملة- تقوم معلما في طريق تلك الحركة وفي طريق هذا التاريخ.