للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد سمى الله سبحانه .. يومها يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ .. كما أنه جعلها مفرق الطريق بين الناس في الآخرة كذلك، لا في هذه الأرض وحدها؛ ولا في التاريخ البشري على هذه الأرض في الحياة الدنيا وحدها. فقال سبحانه: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ، يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ* وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ* كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها .. مِنْ غَمٍّ .. أُعِيدُوا فِيها، وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ* إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ* وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ .. الحج (١٩ - ٢٤) وقد ورد أن هذه الآيات نزلت في الفريقين اللذين التقيا يوم بدر .. يوم الفرقان .. لا في الدنيا وحدها ولا في التاريخ البشري على الأرض وحدها؛ ولكن كذلك في الآخرة وفي الأبد الطويل .. وتكفي هذه الشهادة من الجليل- سبحانه- لتصوير ذلك اليوم وتقديره ..

«لم تكن غزوة بدر الكبرى هي أولى حركات الجهاد الإسلامي فقد سبقتها عدة سرايا، لم يقع قتال إلا في واحدة منها، هي سرية عبد الله بن جحش في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة .. وكانت كلها تمشيا مع القاعدة التي يقوم عليها الجهاد في الإسلام .. نعم إنها كلها كانت موجهة إلى قريش التي أخرجت رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمسلمين الكرام؛ ولم تحفظ حرمة البيت الحرام المحرمة في الجاهلية وفي الإسلام. ولكن هذا ليس الأصل في انطلاقة الجهاد الإسلامي. إنما الأصل هو إعلان الإسلام العام بتحرير الإنسان من العبودية لغير الله وبتقرير ألوهية الله في الأرض؛ وتحطيم الطواغيت التي تعبد الناس، وإخراج الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده .. وقريش كانت هي الطاغوت المباشر الذي يحول بين الناس في الجزيرة وبين التوجه إلى عبادة الله وحده؛ والدخول في سلطانه وحده. فلم يكن بد أن يناجز الإسلام هذا الطاغوت، تمشيا مع خطته العامة؛ وانتصافا- في الوقت ذاته- من الظلم والطغيان اللذين وقعا بالفعل على المسلمين الكرام؛ ووقاية كذلك لدار الإسلام في المدينة من الغزو والعدوان .. وإن كان ينبغي دائما ونحن نقرر هذه الأسباب المحلية القريبة أن نتذكر- ولا ننسى- طبيعة هذا الدين نفسه وخطته التي تحتمها طبيعته هذه.

وهي ألا يترك في الأرض طاغوتا يغتصب سلطان الله؛ ويعبد الناس لغير ألوهيته وشرعه بحال من الأحوال»

<<  <  ج: ص:  >  >>