«في هذه الغزوة .. نزلت سورة الأنفال نزلت تعرض وقائع الغزوة الظاهرة، وتعرض وراءها فعل القدرة المدبرة، وتكشف عن قدر الله وتدبيره في وقائع الغزوة، وفيما وراءها من خط سير التاريخ البشري كله؛ وتحدث عن هذا كله بلغة القرآن الفريدة وبأسلوب القرآن المعجز.»
أقول: وفي هذه الغزوة ينكشف للإنسان أن هناك قوانين وسننا أوسع مما يظنه الجاهلون وأن لله قدرا وأن لله تدبيرا فوق كل تدبير.
يقول صاحب الظلال:«ولقد ظلت الجاهلية «العلمية» الحديثة تلج فيما تسميه «حتمية القوانين الطبيعية». وذلك لتنفي «قدر الله» وتنفي «غيب الله». حتى وقفت في النهاية- عن طريق وسائلها وتجاربها ذاتها- أمام غيب الله وقدر الله وقفة العاجز عن التنبؤ الحتمي! ولجأت إلى نظرية «الاحتمالات» في عالم المادة. فكل ما كان حتميا صار احتماليا. وبقي «الغيب» سرا محترما. وبقي قدر الله هو الحقيقة الوحيدة المستيقنة، وبقي قول الله- سبحانه- لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً هو القانون الحتمي الوحيد، الذي يتحدث بصدق عن طلاقة المشيئة الإلهية من وراء القوانين الكونية التي يدبر الله بها هذا الكون، بقدره النافذ الطليق.
يقول سير جيمس جينز الإنجليزي الأستاذ في الطبيعيات والرياضيات. «لقد كان العلم القديم يقرر تقرير الواثق، أن الطبيعة لا تستطيع أن تسلك إلا طريقا واحدا، وهو الطريق الذي رسم من قبل لتسير فيه من بداية الزمن إلى نهايته، وفي تسلسل مستمر بين علة ومعلول، وأن لا مناص من أن الحالة (ا) تتبعها الحالة (ب) .. أما العلم الحديث فكل ما يستطيع أن يقوله حتى الآن، هو أن الحالة (ا) يحتمل أن تتبعها الحالة (ب) أو (ج) أو (د) أو غيرها من الحالات الأخرى التي يخطئها الحصر. نعم إن في استطاعته أن يقول: إن حدوث الحالة (ب) أكثر احتمالا من حدوث الحالة (ج) وإن الحالة (ج) أكثر احتمالا من (د) وهكذا. بل إن في مقدوره أن يحدد درجة احتمال كل حالة من الحالات (ب) و (ج) و (د) بعضها بالنسبة إلى بعض. ولكنه لا يستطيع أن يتنبأ عن يقين: أي الحالات تتبع الأخرى. لأنه يتحدث دائما عما يحتمل. أما ما يجب أن يحدث، فأمره موكول إلى الأقدار، مهما تكن حقيقة هذه الأقدار».
وقال صاحب الظلال: «ولأن المعركة- كل معركة- يخوضها المؤمنون .. من صنع الله وتدبيره. بقيادته وتوجيهه. بعونه ومدده. وقدره. له وفي سبيله. تتكرر الدعوة