بالهزيمة كلما عادوا للكيد لأوليائه، وفي ذلك ما يثبت المؤمنين، ويستدعي منهم الثبات انتظارا لتحقيق الله موعوده فيهم وفي الكافرين.
٢ - روي البخاري ومسلم في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجتنبوا السبع الموبقات قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال:
الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات». وقد استدل ابن كثير بهذا الحديث على أن قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ عامة في بدر وغيرها؛ دفعا لمن قال إنها في أهل بدر خاصة. قال بعد ذكر كل الأقوال. وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر، وإن كان سبب نزول الآية فيهم، كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم، من أن الفرار من الزحف من الموبقات كما هو مذهب الجماهير.
٣ - إن التحيز إلى فئة يختلف باختلاف الأحوال، فهناك حالات الاضطرار، وقد يصل الاضطرار إلى درجة يعتبر فيها التحيز إلى الإمام الأعظم- أي إلى عاصمة المسلمين- تحيزا إلى فئة، وبعده ليس تحيزا، إلا إلى حيث يكون الإمام، أو يأمر به، فإذا ما أصبحت المسألة كذلك لم يعد إلا القتال حتى الموت، والدليل أن التحيز إذا كان هناك اضطرار يمكن أن يكون بالتراجع إلى حيث يكون أميره أو الإمام الأعظم ما يلي:
روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاص الناس حيصة، فكنت فيمن حاص فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بالغضب؟ ثم قلنا: لو دخلنا المدينة ثم تبنا: ثم قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لنا توبة، وإلا ذهبنا، فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال:«من القوم؟» فقلنا: نحن الفرارون فقال: «لا بل أنتم العكارون أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين». قال: فأتيناه حتى قبلنا يده. وهكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن ورواه ابن أبي حاتم وزاد في آخره وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ قال أهل العلم: معنى قوله «العكارون» أي العرافون، وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أبي عبيد لما قتل على الجسر بأرض فارس؛ لكثرة الجيش من ناحية المجوس، فقال عمر: لو تحيز إلي لكنت له فئة. هكذا رواه محمد بن سيرين عن عمر، وفي رواية أبي عثمان النهدي عن