المعاني تمضي على نسق السياق العام للسورة، فيما فيه تفصيل لفريضة القتال، وأسبابها، وحكمها، وما تقتضيه، وما يلزم لتنفيذها.
٢ - في سبب نزول قوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ .. يذكر ابن كثير عدة روايات يرد بعضها ويثبت بعضا فلنذكر ما أثبته:
روى الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي .. عن ابن عباس: أن نفرا من قريش من أشراف كل قبيلة، اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا له: من أنت؟ قال: شيخ من أهل نجد، سمعت أنكم اجتمعتم، فأردت أن أحضركم، ولن يعدمكم رأيي ونصحي، قالوا: أجل أدخل، فدخل معهم، فقال: انظروا في شأن هذا الرجل، والله ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره، فقال قائل منهم: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء، زهير، والنابغة، إنما هو كأحدهم. قال:
فصرخ- عدو الله- الشيخ النجدي فقال: والله ما هذا لكم برأي. والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم، قالوا: صدق الشيخ، فانظروا في غير هذا. قال قائل منهم: أخرجوه من بين أظهركم فتستريحوا منه؛ فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع، وأين وقع، إذا غاب عنكم أذاه، واسترحتم، وكان أمره في غيركم، فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعن عليه ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم، ويقتل أشرافكم قالوا: صدق والله، فانظروا رأيا غير هذا، قال أبو جهل- لعنه الله-: والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد لا أرى غيره، قالوا: وما هو؟ قال: تأخذون من كل قبيلة غلاما شابا وسيطا نهدا، ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، فما أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه، قال: فقال الشيخ النجدي:
هذا والله الرأي، القول ما قال الفتى لا أرى غيره. قال: فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له، فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فأمره ألا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه، أخبره بمكر القوم، فلم يبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة، وأذن الله له عند ذلك