بالخروج، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة الأنفال يذكر نعمه عليه وبلاءه عنده وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (الأنفال: ٣٠) وأنزل في قولهم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (الطور: ٣٠) فكان ذلك اليوم يسمى الزحمة للذي اجتمعوا من الرأي، وعن السدي: نحو هذا السياق، وأنزل الله في إرادتهم إخراجه قوله تعالى وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء: ٧٦) وكذا روى العوفي عن ابن عباس وروي عن مجاهد وعروة بن الزبير وموسى بن عقبة وقتادة ومقسم وغير واحد نحو ذلك. وروى يونس بن بكير عن ابن إسحاق: فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أمر الله، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت به، وأرادوا به ما أرادوا، أتاه جبريل عليه السلام، فأمره أن لا يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فأمره أن يبيت على فراشه، ويتسجى ببرد له أخضر، ففعل، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم وهم على بابه، وخرج معه بحفنة من تراب، فجعل يذرها على رءوسهم، وأخذ الله بأبصارهم عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إلى قوله فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ. (يس: ١: ٩) روى الحافظ أبو بكر البيهقي عن عكرمة ما يؤكد هذا. وقد روى ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه .. عن ابن عباس قال:
دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي قال:«وما يبكيك يا بنية؟» قالت: يا أبت وما لي لا أبكي وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر، يتعاهدون باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك، وليس منهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك، فقال:«يا بنية ائتني بوضوء» فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى المسجد فلما رأوه قالوا: ها هو ذا فطأطئوا رءوسهم وسقطت رقابهم بين أيديهم، فلم يرفعوا أبصارهم فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فحصبهم بها وقال:«شاهت الوجوه» فما أصاب رجلا منهم حصاة من حصياته إلا قتل يوم بدر كافرا» ثم قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وروى الإمام أحمد .. عن ابن عباس في قوله وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الآية قال: تشاورت قريش ليلة بمكة. فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق- يريدون النبي صلى الله عليه وسلم- وقال بعضهم بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فبات علي رضي الله عنه على فراش رسول