أقول هذه الآية تدور حول فهمها معارك كلامية كثيرة، قديما وحديثا، وقد أشار ابن كثير إلى ذلك، وقد لخص الألوسي الاتجاهات في شأنها فقال:
(والآية قيل مخصوصة بأهل الكتاب فإنها- كما قال مجاهد، والسدي- نزلت في بني قريظة، وهي متصلة بقصتهم؛ بناء على أنهم المعنيون بقوله تعالى: الَّذِينَ عاهَدْتَ الخ، والضمير في وَأَعِدُّوا لَهُمْ لهم، وقيل: هي عامة للكفار، لكنها منسوخة بآية السيف؛ لأن مشركي العرب ليس لهم إلا الإسلام أو السيف، بخلاف غيرهم فإنه تقبل منهم الجزية، وروى القول بالنسخ عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة.
وصحح أن الأمر فيمن تقبل منهم الجزية على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وأهله من حرب أو سلم، وليس بحتم أن يقاتلوا أبدا أو يجابوا إلى الهدنة أبدا، وادعى بعضهم أنه لا يجوز للإمام أن يهادن أكثر من عشر سنين اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صالح أهل مكة هذه المدة، ثم إنهم نقضوا قبل انقضائها كما مر فتذكر).
أقول: لقد رأينا أن ابن كثير يحمل الآية على ظاهرها، ولا يرى أنها تتعارض مع غيرها حتى تحتمل النسخ أو التخصيص، وهو يرى أنها على ظاهرها إذا كان العدو كثيفا، كما يحمل قوله تعالى في سورة القتال فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ على أن المراد بذلك القوة، فإذا كان المسلمون ضعفاء جاز لهم أن يدعوا إلى السلم، وإلا لم يجز لهم، وعلى هذا فإن ابن كثير يرى أن المسلمين إن كانوا ضعفاء جدا جاز لهم أن يدعوا إلى السلام، وإن كانوا في وضع لا يستطيعون فيه السيطرة على خصومهم، وإن كانوا يستطيعون قتاله جاز لهم أن يصالحوا وأن يعاهدوا، أما في حالة القدرة على الغلبة فإن العدو ليس أمامه إلا الإسلام أو الجزية أو القتال.
أقول: إن قضايا الحرب والسلام والمعاهدات تتحكم فيها معان متعددة وعلى أمير المؤمنين، وعلى الدولة المسلمة، أن تجري موازنات كثيرة على ضوء الكتاب والسنة قبل الإقدام على شئ من ذلك.
٩ - وفي قوله تعالى: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ يقول ابن مسعود بسند صحيح عنه: نزلت في المتحابين في الله، وبمناسبة هذه الآية نذكر ما يلي:
روى عبد الرزاق ... عن ابن عباس قال: إن الرحم لتقطع، وإن النعمة لتكفر، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شئ ثم قرأ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً