الفقهاء يفصل. فنحن نعلم أنه في كثير من بلدان العالم تعطى حرية العبادة لكل من يقيم فيها. وهناك بلاد تلاحق الإنسان في عقيدته، وتفتنه عنها، فحيثما كانت الفتنة محققة للإنسان أو لأهله وذريته فقد وجبت الهجرة بالإجماع، وحيثما تكون الحرية متوفرة، فالشافعية يندبون إلى الإقامة.
وعلى كل حال فحيثما وجد مسلمون مؤمنون فعليهم أن يوالي بعضهم بعضا، وأن يكونوا يدا واحدة على من سواهم بالحق والعدل.
ولإقامة دار العدل لا بد أن تقام دولة الإسلام في هذا العالم، أي دولة الخلافة الراشدة فتقيم الإسلام حق القيام، ومن أجل ذلك فعلى المسلمين بقلوب فتية أن يعملوا من أجل إقامة هذه الدولة، وأن يهاجروا إليها إذا اقتضت مصلحة الإسلام والمسلمين ذلك أو كان الحكم الشرعي ذلك.
٢ - ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، كل اثنين أخوان، فكانوا يتوارثون بذلك إرثا مقدما على القرابة، حتى نسخ الله ذلك بآيات المواريث. فهذا النوع من الولاء بين المؤمنين منسوخ، أما الولاء العام من نصرة وتعاون فذلك الذي بقي. روى أبو يعلى عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المهاجرون، والأنصار، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف، بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة» ومن على قدمهم فهو معهم ومنهم إلى يوم القيامة.
٣ - بمناسبة قوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا يروي ابن كثير ما رواه الإمام أحمد عن بريدة بن الخصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أو جيش، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرا. وقال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال- أو خلال- فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم، وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأعلمهم إن فعلوا ذلك أن لهم ما للمهاجرين، وأن عليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا واختاروا دارهم، فأعلمهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الفئ والغنيمة