ولذلك لم يعلموا ولم يتحققوا أنه من حارب الله ورسوله فإن له عذاب جهنم خالدا فيها، مهانا معذبا، وهذا هو الذل العظيم والشقاء الكبير، وبعد أن بين الله عزّ وجل في بداية المقطع أن المحك الذي يظهر المنافق من المؤمن هو الموقف من النفير العام، وأن الذين يستأذنون ولا عذر لهم هم المنافقون. وبعد أن ذكر لنا ثلاثة نماذج من نماذجهم بين الله عزّ وجل كيف أن المنافق يبقى دائما خائفا أن يفتضح أمره بأن ينزل الله سورة تتحدث عما في قلبه، كما بين أن هؤلاء المنافقين من طبيعتهم الاستهزاء، وقد هددهم الله عزّ وجل بأن الله سينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ما يفضحهم، ويبين أمرهم، وقد كان ذلك بهذه السورة، ولهذا قال قتادة: كانت تسمى هذه السورة الفاضحة، فاضحة المنافقين.
وإذن وفي هذا السياق بين لنا الله عزّ وجل طبيعة من طبائع المنافقين وهي استهزاؤهم بالإسلام وأهله، واستهزاؤهم بالله وآياته، ولكنهم من جبنهم إذا ووجهوا بأقوالهم تظاهروا بأنهم قالوا ما قالوه من باب المداعبات والملاطفات والتنكيتات، وقد رد الله عزّ وجل عليهم أن تكون آيات الله محل استهزاء في مزاح أو جد، وجعل ذلك كفرا وفتح باب التوبة لمن يتوب وهدد بالعذاب لمن أصر.
وهكذا تكشفت لنا طبيعة أخرى من طبائع المنافقين، وظهر لنا نموذج من نماذجهم ثم ختم الله هذا المقطع بأن عرف لنا المنافقين والمؤمنين الصادقين.
أما المنافقون فقد وصفهم بأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، وأنهم بخلاء عن الإنفاق في سبيل الله، وأنهم ينسون ذكر الله، وأنهم فاسقون خارجون عن طريق الحق، داخلون في طريق الضلالة، ثم ذكر الله ما أعده لهم من العذاب المقيم الخالد في نار جهنم. ثم ذكر الله عزّ وجل أن ما سيصيبهم قد أصاب أمثالهم من السابقين، وقد كانوا أشد قوة وأكثر أموالا وأولادا فأحبط الله أعمالهم وجعل عاقبتهم النار. وهؤلاء يسيرون على طريق أولئك في التمتع في الدنيا، والخوض في الكذب والباطل، فالطريق واحدة والنهاية واحدة: النار وبطلان العمل، ثم وعظ الله هؤلاء المنافقين بأن ذكرهم بما أصاب الأمم السابقة عدلا منه، فليحذروا أن يصيبهم ما أصابهم.
ثم عرف الله المؤمنين بأنهم متناصرون متعاضدون فيما بينهم، وأنهم أمرة بالمعروف، نهاة عن المنكر، مقيمون للصلاة، مؤتون للزكاة، طائعون لله والرسول فيما أمر ونهى، هؤلاء هم المؤمنون الصادقون، وقد وعدهم الله أن يرحمهم بما اتصفوا