قال، ولا صدق بما ادعى، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقون الله عزّ وجل يوم القيامة عياذا بالله.
وهكذا يعرض علينا السياق نموذجا جديدا للنفاق وأهله، ومن قبل أخبرنا الله عن المنافقين بأنهم يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ، وبعد ذكر النموذج من المنافقين ذكر الله عزّ وجل صفة أخرى من صفاتهم، وهي أنه لا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال، حتى المتصدقون لا يسلمون منهم، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا هذا مراء، وإن جاء بشيء يسير قالوا إن الله لغني عن صدقة هذا.
ثم أخبر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء المنافقين ليسوا أهلا للاستغفار، وأنه لو استغفر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم؛ بسبب كفرهم بالله ورسوله، ولأن سنة الله أنه لا يهدي القوم الفاسقين.
وهكذا استمر السياق يصور لنا المنافقين في أحوالهم وأقوالهم، في سياق الأمر بالنفير وموقفهم منه.
وبعد هذه الجولات الطويلة، تأتي الآن صورتان للتخلف عن النفير: صورة التخلف المنافق، وصورة التخلف الاضطراري للمؤمنين، فأما التخلف المنافق فتخلف يرافقه فرح، وكراهية للجهاد في سبيل الله، ومحاولة للتثبيط عن النفير، وأشر وبطر، ومن ثم فإن أمثال هؤلاء لا يستأهلون شرف الجهاد، ولا يستأهلون كرامة الصلاة عليهم إذا ماتوا، ولا يستأهلون أن ينظر الإنسان إلى شئ مما هم فيه بإعجاب، كيف وهم لا يستقبلون سور الجهاد إلا بالاستئذان عنه، والرغبة في القعود، فهؤلاء يفرون من جهاد الكفار، وهؤلاء هم الكاذبون، فهذه صورة التخلف الذي هو علامة نفاق، ثم بين تعالى أن أصحاب الأعذار الحقيقية لا حرج على من قعد منهم عن القتال مع وجود العواطف الإيمانية عندهم فبين تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه، وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجلاد في الجهاد، ومنه العمى، والعرج، ونحوهما، ولهذا بدأ السياق به، ومنها ما هو عارض، بسبب مرض عن لصاحبه في بدنه، شغله عن الخروج في سبيل الله، أو بسبب فقر لا يقدر معه صاحبه على التجهيز للحرب، فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم، ولم يرجفوا بالناس ولم يثبطوهم، وهم محسنون في أنفسهم، وحزانى على تركهم الجهاد، وعواطفهم مع المسلمين، فهؤلاء