للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمثلون ظاهرة التخلف الذي لا حرج فيه، وإنما ظاهرة التخلف التي فيها حرج هي ظاهرة التخلف الذي لا يرافقه عذر حقيقي جسمي أو مالي، فهذا الذي هو علامة أهل النفاق، الذين يتخلفون ويعتذرون ويحلفون، ثم أخبر تعالى أن في الأعراب كفارا ومنافقين، وأن كفر هؤلاء ونفاقهم أعظم من كفر ونفاق غيرهم وأشد، كما أنهم أحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن من هؤلاء الأعراب من يعتبر ما ينفق في سبيل الله غرامة وخسارة، وينتظر بالمسلمين الحوادث، والآفات وأن تدور عليهم الدوائر، والأمر منعكس عليهم، وفي المقابل فهناك القسم الممدوح من الأعراب، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله، ويبتغون بذلك دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لهم وقد حقق الله لهم ما أرادوه. وبعد أن ذكر الله عزّ وجل التخلف المشروع، والتخلف المرذول، وبين وضع الأعراب ومواقفهم، أخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم. ثم أخبر تعالى أن في أحياء العرب ممن حول المدينة منافقين، وفي أهل المدينة أنفسهم منافقون، مرنوا على النفاق، واستمروا عليه، وقد تهدد الله هؤلاء المنافقين بالعذاب الدنيوي مرة بعد مرة، ثم بالعذاب الأخروي. ثم ذكر الله تعالى نوعا آخر من التخلف غير ما مر، فالذي مر معنا نوعان:

تخلف أهل النفاق، وتخلف أهل العذر، والآن يحدثنا السياق عن الذين تأخروا عن الجهاد كسلا، وميلا إلى الراحة، مع إيمانهم وتصديقهم بالحق، وقد أقروا واعترفوا، بينهم وبين ربهم بذنوبهم، ولهم أعمال أخر صالحة، خلطوا هذه بتلك، فهؤلاء تحت عفو الله، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المقام أن يأخذ من أموال الناس صدقة، ليطهروا ويزكوا، ووجود هذا الأمر في هذا السياق فيه إشعار لهؤلاء المذنبين بأن طريق تكفيرهم ذنبهم العظيم بالتخلف هو هذا، وقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهؤلاء المتصدقين، ثم هيج الله عباده على التوبة والصدقة، بتذكيرهم بقبوله التوبة، وأخذه الصدقات، وأنه التواب الرحيم.

ثم أمر الله تعالى عباده جميعا أن يعملوا، وأعلمهم أن أعمالهم معروضة عليه، ثم طمع الله بعض المتخلفين بأن أمرهم إليه، إن شاء تاب وعفا، وإن شاء عذب.

وهكذا ذكرت أنواع التخلف عن النفير، وصفات كل نوع ومواصفاته وحكمه وطريقه، ثم بعد ذلك يستمر السياق في عرض قضية النفاق، لأن السياق الخاص في هذا المقطع هو الأمر بقتال المنافقين، فلا بد من تعريتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>