وهي: دور التعدد Polytheism ودور التمييز والترجيح Henotheism
ودور الوحدانية Monotheism
ففي دور التعدد كانت القبائل الأولى تتخذ لها أربابا بالعشرات، وقد تتجاوز العشرات إلى المئات. ويوشك في هذا الدور أن يكون لكل أسرة رب تعبده، أو تعويذة تنوب عن الرب في الحضور وتقبل الصلوات والقرابين.
وفي الدور الثاني- وهو دور التمييز والترجيح- تبقى الأرباب على كثرتها، ويأخذ رب منها في البروز والرجحان على سائرها. إما لأنه رب القبيلة الكبرى التي تدين لها القبائل الأخرى بالزعامة وتعتمد عليها في شئون الدفاع والمعاش، وإما لأنه يحقق لعباده جميعا مطلبا أعظم وألزم من سائر المطالب التي تحققها الأرباب المختلفة، كأن يكون رب المطر والإقليم في حاجة إليه، أو رب الزوابع والرياح وهي موضع رجاء أو خشية يعلو على موضع الرجاء والخشية عند الأرباب القائمة على تسيير غيرها من العناصر الطبيعية.
وفي الدور الثالث تتوحد الأمة، فتتجمع إلى عبادة واحدة تؤلف بينها مع تعدد الأرباب في كل إقليم من الأقاليم المتفرقة. ويحدث في هذا الدور أن تفرض أمة عبادتها على غيرها كما تفرض عليها سيادة تاجها وصاحب عرشها، ويحدث أيضا أن ترضى من إله الأمة المغلوبة بالخضوع لإلهها، مع بقائه وبقاء عبادته كبقاء التابع للمتبوع، والحاشية للملك المطاع.
ولا تصل الأمة إلى هذه الوحدانية الناقصة إلا بعد أطوار من الحضارة تشيع فيها المعرفة، ويتعذر فيها على العقل قبول الخرافات التي كانت سائغة في عقول الهمج وقبائل الجاهلية، فتصف الله بما هو أقرب إلى الكمال والقداسة من صفات الآلهة المتعددة في أطوارها السابقة، وتقترن العبادة بالتفكير في أسرار الكون وعلاقتها بإرادة الله وحكمته العالية، وكثيرا ما ينفرد الإله الأكبر في هذه الأمم بالربوبية الحقة، وتنزل الأرباب الأخرى إلى مرتبة الملائكة أو الأرباب المطرودين من الحظيرة السماوية ... ) الخ.
(اهـ. كلام العقاد).
قال سيد: وواضح سواء من رأي الكاتب نفسه أو مما نقله ملخصا من آراء علماء الدين المقارن أن البشر هم الذين ينشئون عقائدهم بأنفسهم، ومن ثم تظهر فيها