أطوارهم العقلية والعلمية والحضارية والسياسية. وأن التطور من التعدد إلى التثنية إلى التوحيد تطور زمني مطرد على الإجمال ..
وهذا واضح من الجملة الأولى في تقديم المؤلف لكتابه:«موضوع هذا الكتاب نشأة العقيدة الإلهية، منذ أن أتخذ الإنسان ربا، إلى أن عرف الله الأحد، واهتدى إلى نزاهة التوحيد .. ».
والذي لا شك فيه أن الله سبحانه يقرر في كتابه الكريم، تقريرا واضحا جازما، شيئا آخر غير ما يقرره صاحب كتاب:(الله) متأثرا فيه بمنهج علماء الأديان المقارنة .. وأن الذي يقرره الله- سبحانه- أن آدم- وهو أول البشر- عرف حقيقة التوحيد كاملة، وعرف نزاهة التوحيد غير مشوبة بشائبة من التعدد والتثنية، وعرف الدينونة لله وحده باتباع ما يتلقى منه وحده. وأنه عرف بنيه بهذه العقيدة، فكانت هنالك أجيال في أقدم تاريخ البشرية لا تعرف إلا الإسلام دينا، وإلا التوحيد عقيدة ..
وأنه لما طال الأمد على الأجيال المتتابعة من ذرية آدم انحرفت عن التوحيد .. ربما إلى التثنية وربما إلى التعدد .. ودانت لشتى الأرباب الزائفة .. حتى جاءها نوح عليه السلام بالتوحيد من جديد. وأن الذين بقوا على الجاهلية أغرقهم الطوفان جميعا، ولم ينج إلا المسلمون الموحدون الذين يعرفون «نزاهة التوحيد» وينكرون التعدد والتثنية وسائر الأرباب والعبادات الجاهلية. ولنا أن نجزم أن أجيالا من ذراري هؤلاء الناجين عاشت كذلك بالإسلام القائم على التوحيد المطلق. قبل أن يطول عليهم الأمد، ويعودوا إلى الانحراف عن التوحيد من جديد. وأنه هكذا كان شأن كل رسول. وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ.
والذي لا شك فيه أن هذا شئ، والذي يقرره علماء الأديان المقارنة ويتابعهم فيه مؤلف كتاب:(الله) شئ آخر. وبينهما تقابل تام في منهج النظر والنتائج التي ينتهي إليها .. وآراء الباحثين في تاريخ الأديان ليست سوى نظريات يعارض بعضها بعضا، فهي ليست الكلمة النهاية حتى في مباحث البشر الفانين.
وما من شك أنه حين يقرر الله- سبحانه- آمرا نبيه في كتابه الكريم هذا البيان القاطع، ويقرر غيره أمرا آخر مغايرا له تمام المغايرة، فإن قول الله يكون أولى بالاتباع وبخاصة ممن يدافعون عن الإسلام، ويكتبون ما يكتبون بقصد دفع الشبهات عنه وعن أصل الدين جملة .. وأن هذا الدين لا يخدم بنقض قاعدته الاعتقادية في أن الدين جاء