لقد ختمت سورة يوسف بقوله تعالى: وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. فهذا الختام يوحي أن سورة يوسف علامة ونموذج على هذا التصديق، وعلى هذا التفصيل ...
ومن تأمل ما وصلنا من الكتب السابقة، وجد دليل هذا التفصيل والتصديق، ولو أن الكتب السابقة وصلتنا بلا تحريف ولا تبديل، لكنا أقدر على التدليل، ولكن إذا كان إرميا من عهده يتحدث عن أقلام النساخ الكاذبة، فماذا نقول نحن؟!.
ومع كل التحريف والتبديل فإننا نجد مع ذلك كيف أن هذا القرآن تفصيل لكل شئ وتصديق الذي بين يديه. ولنضرب مثالا على التفصيل:
نلاحظ مثلا أن أسفار موسى عليه السلام الخمسة، والتي يسميها بعضهم التوراة، والتي نؤكد أنها ليست التوراة، وإنما التوراة جزء منها مع التحريف والتبديل كما أثبتنا ذلك أثناء الكلام عن سورة الأعراف- هذه الأسفار الخمسة تكاد تكون موجودة في القرآن، وهي جزء من المعاني الموجودة فيه.
فسفر التكوين مثلا، والذي يتألف من قصة آدم، ثم قصة نوح، ثم قصة إبراهيم، ثم قصة يعقوب ويوسف، نجده كله تقريبا في القرآن، ما عدا حشوا لا يترتب عليه فائدة، أو كذبا مختلقا كما سنرى. وسفر الخروج مثلا يكاد يكون محتوى في سورة الأعراف وغيرها. وسفر العدد يكاد يكون محتوى في سورة الأعراف، وسورة المائدة، وسفر اللاويين وسفر التثنية تجدهما مبثوثين في القرآن في أمكنة متفرقة.
وإذا تأملت ما في الزبور من معان، وما في الإنجيل من قصص ومعان، وأخبار الرسل، وتاريخ بني إسرائيل، تجده كله يكاد يكون موجودا في القرآن، حتى إن قارئ القرآن، وقارئ كتب العهد القديم والجديد، يكاد لا يستغرب ما يقرأ، فإذا كان هذا بعض ما في هذا القرآن أدركنا رشحة من رشحات كون هذا القرآن وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ.
وأما كون هذا القرآن وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ فإنك تجد أن كثيرا مما تعرض له القرآن موجودة أصوله في الكتب السابقة، ولو أن هذه الكتب قد وصلتنا كما أنزلت لرأينا المطابقة الكاملة، ولكن هذه الكتب حرفت وبدلت. ولنضرب مثالا على التحريف والتبديل الذي يراه القارئ بوضوح في سفر التكوين، الذي ذكر فيه قصة يوسف وإخوته.