٢ - في الإصحاح السابع والثلاثين من سفر التكوين من التوراة الحالية. أن سن يوسف عند ما حلم أحلامه سبع عشرة سنة، وفي هذا الإصحاح «فلما رأى إخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع إخوته أبغضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام» وفي هذا الإصحاح قصة التآمر والتنفيذ مخلوطة بكثير من التحريف، ومن تأمل الإصحاح وجده يدل على ما فيه من تحريف، فالتآمر والتنفيذ كانا في الإصحاح في ساعة واحدة، ومع أن الإصحاح يذكر أن رأوبين هو الذي اقترح إلقاءه في البئر، واقترح ترك قتله، ومع أنهم نفذوا ذلك مباشرة، ثم مرت قافلة الإسماعيليين فاقترح يهوذا؟ أن يبيعوه. ثم يذكر الإصحاح أن قافلة تجار مديانيين؟ هي التي أخرجته. ثم يقول الإصحاح:«وباعوا يوسف للإسماعيليين» فهل البائع إخوته كما اقترح يهوذا، أو البائع المديانيون؟ ثم يذكر الإصحاح «ورجع رأوبين إلى البئر وإذا يوسف ليس في البئر، فمزق ثيابه ثم رجع إلى إخوته وقال: الولد ليس موجودا وأنا إلى أين أذهب». فكيف يتم التوفيق بين هذا الكلام: الجميع ألقوه في الجب، ويهوذا يقترح بيعه بعد ذلك، ثم يباع، ثم يبحث عنه رأوبين، فأين كان رأوبين وهو الذي اقترح إلقاءه في البئر، وباشر معهم التنفيذ والبيع؟. ثم يذكر الإصحاح بعد هذا «فأخذوا قميص يوسف وذبحوا تيسا من المعزى وغمسوا القميص في الدم، وأرسلوا القميص الملون وأحضروه إلى أبيهم وقالوا ... » وفي الإصحاح أن يعقوب هو الذي قال إن الوحش قد افترس ابنه وليس فيه شك يعقوب في الأمر، مع أن فيه رفض يعقوب للتعزية. ويلاحظ أن الرواية تذكر أن القميص قد غمس في الدم؛ ولا تذكر الرواية أن القميص كان ممزقا لأنهم خلعوه عن يوسف قبل إلقائه في الجب، فهل يغيب عن مثل يعقوب أن يتعرف على كون الوحش لم يأكله من خلال القميص. وهكذا نجد أن التحريف يفضح نفسه. فالحمد لله الذي جعل القرآن معصوما محفوظا، وجعله يدل على صدقه وكونه حقا بألفاظه ومعانيه.
فمن قارن ما ذكره القرآن في هذا المقام، وما تنقله التوراة عرف الحق من الباطل.
ولننقل هذا المقطع من هذا الإصحاح بعد أن رأينا ما فيه مما يؤكد ما هو المشهور المعروف أن هذه الأسفار قد جمعت بعد مئات السنين وكتبت من الروايات الشفهية، فهي لا تساوي- من حيث الثبوت- أمام النقد العلمي شيئا، فمن أراد الحق، فليس أمامه إلا القرآن، ليعرف الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولا أدل من ظهور التحريف في هذا الإصحاح بالذات من هذين التعبيرين: