من هذا أن يكن نبيات بذلك، فإن أراد القائل بنبوتهن هذا القدر من التشريف فهذا لا شك فيه، ويبقى الكلام معه في أن هذا هل يكفي في الانتظام في سلك النبوة بمجرده أم لا؟ الذي عليه أهل السنة والجماعة، وهو الذي نقله الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عنهم: إنه ليس في النساء نبية، وإنما فيهن صديقات كما قال تعالى مخبرا عن أشرفهن مريم بنت عمران حيث قال مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ (المائدة: ٧٥) فوصفها في أشرف مقاماتها بالصديقية، فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام، فهي صديقة بنص القرآن).
وفي القضية الثانية نقول: من المعروف أن المدينة أكثر ملاءمة لنمو الأخلاق الاجتماعية، والبلاغ على أهلها أسهل: ومن ثم كانت سنة الله ألا يرسل رسولا من أهل البادية. قال قتادة في قوله تعالى: مِنْ أَهْلِ الْقُرى لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمود، فالقرية في الآية إذن تقابل البادية وليس شرطا أن تكون القرية كبيرة، وأما يعقوب عليه السلام فسكناه في البادية عارض، ولذلك ذكرهم يوسف عليه السلام بمنة الله عليهم، فقال: وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ....
٣ - ينقل ابن كثير كلاما كثيرا للمفسرين في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا إذ هذه الآية من الآيات التي يحتدم حول فهمها النقاش، وما ذكرناه أثناء التفسير هو أجود ما يقال فيها فتأمله. ولنذكر هنا روايتين ذكرهما ابن كثير على نفس النسق الذي اعتمدناه.
روى الأعمش عن مسلم عن ابن عباس في قوله حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم جاءهم النصر على ذلك فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ.
وروى ابن جرير بسنده عن إبراهيم بن أبي حمزة الجزري قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير قال: أخبرنا أبا عبد الله كيف هذا الحرف، فإني إذا أتيت عليه تمنيت أن لا أقرأ هذه السورة حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا قال: نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا،
فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلا يدعى إلى علم فيتلكأ، لو رحلت إلى اليمن في هذه كان قليلا.