للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا أتيت البحر انفرق اثنتي عشرة فرقة حتى أجاوزه ثم ذكره بعد ذلك العصا، فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى، فانفرق البحر كما أمره ربه، وكما وعد موسى، فلما أن جاوز موسى وأصحابه كلهم البحر، ودخل فرعون وأصحابه التقى عليهم البحر كما أمر، فلما جاوز موسى البحر قال أصحابه: إنا نخاف أن لا يكون فرعون غرق ولا نؤمن بهلاكه، فدعا ربه فأخرجه له ببدنه، حتى استيقنوا بهلاكه، ثم مروا بعد ذلك على قوم يعكفون على أصنام لهم قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ* قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ* إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ الآية. قد رأيتم من العبر وسمعتم ما يكفيكم، ومضى فأنزلهم موسى منزلا وقال: أطيعوا هارون؛ فإني قد استخلفته عليكم، فإني ذاهب إلى ربي وأجلهم ثلاثين يوما أن يرجع إليهم فيها. فلما أتى ربه وأراد أن يكلمه في ثلاثين يوما، وقد صامهن ليلهن ونهارهن، وكره أن يكلم ربه وريح فيه ريح فم الصائم فتناول موسى من نبات الأرض شيئا فمضغه، فقال له ربه حين أتاه: لم أفطرت؟ وهو أعلم بالذي كان قال يا رب إني كرهت أن أكلمك إلا وفمي طيب الريح، قال: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك، ارجع فصم عشرا ثم ائتني، ففعل موسى عليه السلام ما أمر به، فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم في الأجل، ساءهم ذلك، وكان هارون قد خطبهم وقال:

إنكم قد خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم عواري، وودائع لكم فيها مثل ذلك، فإني أرى أنكم تحتسبون مالكم عندهم، ولا أحل لكم وديعة استودعتموها، ولا عارية، ولسنا برادين إليهم شيئا من ذلك ولا ممسكيه لأنفسنا فحفر حفيرا وأمر كل قوم عندهم من ذلك من متاع أو حلية أن يقذفوها في ذلك الحفير، ثم أوقد عليه النار فأحرقته، فقال: لا يكون لنا ولا لهم، وكان السامري من قوم يعبدون البقر، جيران لبني إسرائيل، ولم يكن من بني إسرائيل، فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا، فقضى له أن رأى أثرا فقبض منه قبضة فمر بهارون فقال له هارون عليه السلام: يا سامري ألا تلقي ما في يدك، وهو قابض عليه، لا يراه أحد طول ذلك فقال:

هذه قبضة من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر، ولا ألقيها لشئ إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها أن يجعلها ما أريد. فألقاها ودعا له هارون، فقال أريد أن يكون عجلا، فاجتمع ما كان في الحفيرة من متاع أو حلية أو نحاس أو حديد، فصار عجلا أجوف ليس فيه روح وله خوار. قال ابن عباس: لا والله ما كان له صوت قط، إنما كانت الريح تدخل في دبره، وتخرج من فيه، وكان ذلك الصوت من ذلك فتفرق بنو إسرائيل فرقا،

<<  <  ج: ص:  >  >>