والعمر البشري. والطاقة البشرية محدودة. وهي إما أن تنفق في هذا الذي يصلح الحياة وينميها ويرقيها؛ وإما أن تنفق في الهذر واللغو واللهو. والمؤمن مدفوع بحكم عقيدته إلى إنفاقها في البناء والتعمير والإصلاح. ولا ينفي هذا أن يروح المؤمن عن نفسه في الحين بعد الحين. ولكن هذا شئ آخر غير الهذر واللغو والفراغ .... )
وقال الألوسي عند قوله تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ: (وصف لهم بالعفة وهو إن استدعاه وصفهم بالإعراض عن اللغو إلا أنه جيء به اعتناء بشأنه، ويجوز أن يقال: إن ما تقدم وإن استدعى وصفهم بأصل العفة لكن جيء بهذا لما فيه من الإيذان أن قوتهم الشهوية داعية لهم إلى ما لا يخفى، وأنهم حافظون لها عن استيفاء مقتضاها، وبذلك يتحقق كمال العفة ..... والمراد مما ملكت أيمانهم: السريات، والتخصيص بذلك للإجماع على عدم حل وطء المملوك الذكر ..... والآية خاصة بالرجال، فإن التسري للنساء لا يجوز بالإجماع، وعن قتادة: قال تسرت امرأة غلاما فذكرت لعمر رضي الله تعالى عنه، فسألها ما حملك على هذا؟ فقالت: كنت أرى أنه يحل لي ما يحل للرجال من ملك اليمين، فاستشار عمر فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: تأولت كتاب الله تعالى على غير تأويله.
فقال رضي الله تعالى عنه: لا جرم لا أحلك لحر بعده أبدا، كأنه عاقبها بذلك، ودرأ الحد عنها، وأمر العبد أن لا يقربها ..... ويدخل فيما وراء ذلك: الزنا، ومواقعة البهائم واللواط وهذا مما لا خلاف فيه .... واختلف في استمناء الرجل بيده ويسمى الخضخضة، وجلد عميرة. فجمهور الأئمة على تحريمه، وهو عندهم داخل فيما وراء ذلك، وكان الإمام أحمد بن حنبل يجيزه، لأن المني فضلة في البدن؛ فجاز إخراجها عند الحاجة كالفصد والحجامة، وقال ابن الهمام: يحرم فإن غلبته الشهوة ففعل إرادة تسكينها به فالرجاء أن لا يعاقب).
وقال صاحب الظلال عند الآية نفسها: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ.
وهذه طهارة الروح والبيت والجماعة. ووقاية النفس والأسرة والمجتمع. بحفظ الفروج من دنس المباشرة في غير حلال، وحفظ القلوب من التطلع إلى غير حلال؛ وحفظ الجماعة من انطلاق الشهوات فيها بغير حساب، ومن فساد البيوت فيها والأنساب.
والجماعة التي تنطلق فيها الشهوات بغير حساب جماعة معرضة للخلل والفساد. لأنه