للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم الحق أنه شرط القبول لا الإجزاء. وفي المنهاج وشرحه لابن حجر ويسن الخشوع في كل صلاته بقلبه، بأن لا يحضر فيه غير ما هو فيه، وإن تعلق بالآخرة وبجوارحه، بأن لا يعبث بأحدها، وظاهر أن هذا مراد النووي من الخشوع لأنه سيذكر الأول بقوله: ويسن دخول الصلاة بنشاط وفراغ قلب، إلا أن يجعل ذلك سببا له، ولذا خصه بحالة الدخول، وفي الآية المراد كل منهما كما هو ظاهر أيضا، وكان سنة لثناء الله تعالى في كتابه العزيز على فاعليه، ولانتفاء ثواب الصلاة بانتفائه كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ولأن لنا وجها اختاره جمع أنه شرط للصحة، لكن في البعض فيكره الاسترسال مع حديث النفس، والعبث كتسوية ردائه، أو عمامته لغير ضرورة من تحصيل سنة، أو دفع مضرة، وقيل يحرم. اه، وللإمام في هذا المقام كلام طويل من أراده فليرجع إليه. وتقديم الظرف قيل لرعاية الفواصل. وقيل ليقرب ذكر الصلاة من ذكر الإيمان، فإنهما إخوان وقد جاء إطلاق الإيمان عليها في قوله تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ وقيل للحصر على معنى: الذين هم في جميع صلاتهم دون بعضها خاشعون، وفي تقديم وصفهم بالخشوع في الصلاة على سائر ما يذكر بعد ما لا يخفى من التنويه بشأن الخشوع، وجاء أن الخشوع أول ما يرفع من الناس، ففي خبر رواه الحاكم وصححه أن عبادة بن الصامت قال: يوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيه رجلا خاشعا. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحاكم وصححه عن حذيفة قال:

«أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، وتنتقض عرى الإسلام عروة عروة» الخبر).

وقال صاحب الظلال عند قوله تعالى وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (لغو القول، ولغو الفعل، ولغو الاهتمام والشعور. إن للقلب المؤمن ما يشغله عن اللغو واللهو والهذر .. له ما يشغله من ذكر الله، وتصور جلاله وتدبر آياته في الأنفس والآفاق. وكل مشهد من مشاهد الكون يستغرق اللب، ويشغل الفكر، ويحرك الوجدان ... وله ما يشغله من تكاليف العقيدة: تكاليفها في تطهير القلب، وتزكية النفس وتنقية الضمير. وتكاليفها في السلوك، ومحاولة الثبات على المرتقى العالي الذي يتطلبه الإيمان. وتكاليفها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصيانة حياة الجماعة من الفساد والانحراف. وتكاليفها في الجهاد لحمايتها ونصرتها وعزتها، والسهر عليها من كيد الأعداء ... وهي تكاليف لا تنتهي، ولا يغفل عنها المؤمن، ولا يعفى نفسه منها، وهي مفروضة عليه فرض عين أو فرض كفاية. وفيها الكفاية لاستغراق الجهد

البشري

<<  <  ج: ص:  >  >>