للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم يوم (١) الفتح، واغتساله في حديث ميمونة (٢).

وأما النوع الثاني من النظر كالنظر إلى الزينة الباطنة من المرأة الأجنبية فهذا أشد من الأول، كما أن الخمر أشد من الميتة والدم ولحم الخنزير، وعلى صاحبها الحد، وتلك المحرمات إذا نظر لها مستحلا لها كان عليه التعزير، لأن هذه المحرمات لا تشتهيها النفوس كما تشتهي الخمر، وكذلك النظر إلى عورة الرجل لا يشتهى كما يشتهى النظر إلى النساء ونحوهن، وكذلك النظر إلى الأمرد بشهوة هو من هذا الباب، وقد اتفق العلماء على تحريم ذلك، كما اتفقوا على تحريم النظر إلى الأجنبية وذوات المحارم بشهوة، والخالق سبحانه يسبح عند رؤية مخلوقاته كلها، وليس خلق الأمرد بأعجب في قدرته من خلق ذي اللحية، ولا خلق النساء بأعجب في قدرته من خلق الرجال، فتخصيص الإنسان بالتسبيح نظره إلى الأمرد دون غيره كتخصيصه بالتسبيح بنظره إلى المرأة دون الرجل، وذاك لأنه أدل على عظمة الخالق عنده، ولكن لأن الجمال يغير قلبه وعقله وقد يذهله ما رآه فيكون تسبيحه لما حصل في نفسه من الهوى، كما أن النسوة لما رأين يوسف أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (يوسف ٣١) وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم فإذا كان الله لا ينظر إلى الصور والأموال، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال، فكيف يفضل الشخص بما لم يفضله الله به.

وقد قال تعالى وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ (طه: ١٣١) وقال في المنافقين وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ


(١) من ذلك حديث أم هانئ بنت أبي طالب: «ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة تستره، فقال: من هذه؟ فقلت: أم هانئ». صحيح البخاري بشرح الفتح ١/ ٣٨٧.
(٢) حديث ميمونة بنت الحارث ورواه عنها ابن عباس قالت: «وضعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسلا وسترته فصب على يده فغسلها مرة أو مرتين- قال سليمان (الأعمش أحد رواة الحديث) لا أدري أذكر الثالثة أم لا- ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل فرجه، ثم ذلك يده بالأرض أو بالحائط، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه وغسل رأسه ثم صب على جسده ثم تنحى فغسل قدميه، فناولته خرقة فقال بيده هكذا ولم يردها» والحديث رواه الجماعة.
الصحيح بشرح الفتح ٣٧٥/ ١ المنتقى بشرح نيل الأوطار ٢٧٨/ ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>