للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ (المنافقون: ٤) فإذا كان هؤلاء المنافقون الذين تعجب الناظر أجسامهم؛ لما فيهم من البهاء والرواء والزينة الظاهرة، وليسوا ممن ينظر إليه لشهوة قد ذكر الله عنهم ما ذكر، فكيف بمن ينظر إليه لشهوة، وذلك أن الإنسان قد

ينظر إليه لما فيه من الإيمان والتقوى، وهنا الاعتبار بقلبه وعمله لا بصورته، وقد ينظر إليه لما فيه من الصورة الدالة على المصور، فهذا حسن، وقد ينظر إليه من جهة استحسان خلقه كما ينظر إلى الخيل والبهائم. وكما ينظر إلى الأشجار والأنهار والأزهار، فهذا أيضا إذا كان على وجه استحسان الدنيا والرئاسة والمال فهو مذموم. بقوله وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وأما إن كان على وجه لا ينقص الدين، وإنما فيه راحة النفس فقط، كالنظر إلى الأزهار فهذا من الباطل الذي لا يستعان به على الحق.

وكل قسم من هذه الأقسام متى كان معه شهوة كان حراما بلا ريب، سواء كانت شهوة تمتع النظر بالشهوة، أو كان نظرا بشهوة الوطء، وفرق بين ما يجده الإنسان عند نظره إلى النسوان والمردان، فلهذا الفرقان افترق الحكم الشرعي، فصار النظر إلى المردان ثلاثة أقسام: أحدها ما تقترن به الشهوة، فهو محرم بالاتفاق، والثاني ما يجزم أنه لا شهوة معه، كنظر الرجل الورع إلى ابنه الحسن، وابنته الحسنة، وأمه الحسنة، فهذا لا تقترن به شهوة، إلا أن يكون الرجل من أفجر الناس، ومتى اقترن به الشهوة حرم.

وعلى هذا نظر من لا يميل قلبه إلى المردان، كما كان الصحابة، وكالأمم الذين لا يعرفون هذه الفاحشة، فإن الواحد من هؤلاء لا يفرق من هذا الوجه بين نظره إلى ابنه وابن جاره وصبي أجنبي، لا يخطر بقلبه شئ من الشهوة، لأنه لم يعتد ذلك، وهو سليم القلب من قبل ذلك، وقد كانت الإماء على عهد الصحابة يمشين في الطرقات متكشفات الرءوس، ويخدمن من الرجال مع سلامة القلوب، فلو أراد الرجل أن يترك الإماء التركيات الحسان يمشين بين الناس في مثل هذه البلاد والأوقات، كما كان أولئك الإماء يمشين، كان هذا من باب الفساد، وكذلك المرد الحسان لا يصلح أن يخرجوا في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة بهم، إلا بقدر الحاجة، فلا يمكن الأمرد الحسن من التبرج، ولا من الجلوس في الحمام بين الأجانب، ولا من رقصه بين الرجال، ونحو ذلك مما فيه فتنة للناس، وهو النظر إليه كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>