للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالحلاجية ونحوهم، أو ببعض الملوك أو ببعض الصور كصور المردان، ويقول أحدهم: إنما انظر إلى صفات خالقي وأشهدها في هذه الصورة، والكفر في هذا القول أبين من أن يخفى على من يؤمن بالله ورسوله، ولو قال مثل هذا الكلام في نبي كريم لكان كافرا، فكيف إذا قاله في صبي أمرد، فقبح الله طائفة يكون معبودها من جنس موطوئها.

وقد قال تعالى وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران: ٨٠) فإذا كان من اتخذ الملائكة والنبيين أربابا مع اعترافهم بأنهم مخلوقون لله كفارا، فكيف بمن اتخذ بعض المخلوقات أربابا مع قوله إن الله فيها أو متحد بها، فوجوده وجودها، ونحو ذلك من المقالات.

(وأما الفائدة الثانية في غض البصر،) فهو يورث نور القلب والفراسة، قال تعالى عن قوم لوط لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (الحجر: ٧٢) فالتعلق بالصور يوجب فساد العقل، وعمى البصيرة، وسكر القلب، بل جنونه كما قيل.

سكران سكر هوى وسكر مدامة ... ومتى إفاقة من به سكران

وقيل أيضا:

قالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم ... العشق أعظم مما بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين

وذكر الله سبحانه آية النور عقيب آيات غض البصر فقال اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وكان شاه بن شجاع الكرماني (١) لا تخطئ له فراسة وكان يقول: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة خامسة أظنه هو أكل الحلال- لم تخطئ له فراسة، والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله، فيطلق نور بصيرته، ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف، ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب.

(الفائدة الثالثة) قوة القلب وثباته وشجاعته، فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة، فإن في الأثر: الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله، ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه، وإن الله جعل


(١) كان رحمه الله ورضي عنه من أولاد الملوك صحب أبا تراب النخشبي وأبا عبيد البسري وأولئك الطبقة وكان أحد الفتيان كبير الشان مات قبل الثلاثمائة.

<<  <  ج: ص:  >  >>