خَيْراً هل هذا الأمر للندب أو هو للوجوب، ولننقل كل ما قاله ابن كثير في هذا الموضوع: ثم نعقب تعقيبا خفيفا على موضوع الرق.
قال ابن كثير: (هذا أمر من الله تعالى للسادة، إذا طلب عبيدهم منهم أن يكاتبوهم، بشرط أن يكون للعبد حيلة وكسب يؤدي إلى سيده المال الذي شارطه على أدائه، وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن هذا الأمر أمر إرشاد واستحباب، لا أمر تحتم وإيجاب، بل السيد مخير إذا طلب منه عبده الكتابة، إن شاء كاتبه، وإن شاء لم يكاتبه، قال الثوري عن جابر عن الشعبي: إن شاء كاتبه وإن شاء لم يكاتبه، وكذا روى ابن وهب ... عن عطاء بن أبي رياح: إن يشأ كاتبه، وإن يشأ لم يكاتبه، وكذا قال مقاتل بن حيان والحسن البصري، وذهب آخرون إلى إنه يجب على السيد إذا طلب منه عبده أن يجيبه إلى ما طلب؛ أخذا بظاهر هذا الأمر. وقال البخاري، وقال روح ابن جريج قلت لعطاء: أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلا واجبا، وقال عمرو بن دينار قلت لعطاء: أتأثره عن أحد؟ قال: لا، ثم أخبرني أن موسى بن أنس أخبره أن سيرين سأل أنسا المكاتبة، وكان كثير المال فأبى فانطلق إلى عمر رضي الله عنه، فقال: كاتبه، فأبى فضربه بالدرة ويتلو عمر رضي الله عنه فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً فكاتبه هكذا ذكره البخاري معلقا، ورواه عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء: أواجب علي إذا علمت له مالا أن أكاتبه؟
قال ما أراه إلا واجبا. وقال ابن جرير ... عن أنس بن مالك أن سيرين أراد أن يكاتبه فتلكأ عليه، فقال له عمر لتكاتبنه. إسناد صحيح، وروى سعيد بن منصور ... عن الضحاك قال: هي عزمة، وهذا هو القول القديم من قولي الشافعي، وذهب في الجديد إلى أنه لا يجب لقوله عليه الصلاة والسلام «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس» وقال ابن وهب قال مالك: الأمر عندنا أنه ليس على سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك، ولم أسمع أحدا من الأئمة أكره أحدا على أن يكاتب عبده، قال مالك: وإنما ذلك أمر من الله تعالى، وإذن منه للناس، وليس بواجب، وكذا قال الثوري وأبو حنيفة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، واختار ابن جرير قول الوجوب لظاهر الآية وقوله تعالى إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً قال بعضهم أمانة، وقال بعضهم صدقا، وقال بعضهم مالا، وقال بعضهم حيلة وكسبا، وروى أبو داود في المراسيل عن يحيى ابن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً قال تعالى «إن علمتم فيهم حرفة ولا ترسلوهم كلا على الناس».