لهم العلو والغلبة في الأرض اليوم، أو كانت لهم في الزمن الماضي، ولو كانوا جاحدين بالله والرسالة والوحي واليوم الآخر، منغمسين في أدناس الفسق والفجور التي قد عدها القرآن من الكبائر، كأكل الربا، وارتكاب الزنا، وشرب الخمر، ولعب الميسر، وما إليها. فإن كان أمثال هؤلاء من المؤمنين الصالحين، ولأجل إيمانهم وصلاحهم نالوا العلو والغلبة في الأرض، فأي معنى يمكن أن يكون للإيمان غير الإذعان لقوانين الطبيعة، وللصلاح غير العمل وفق هذه القوانين؟ وماذا يمكن أن يكون دين الله المرتضى غير بلوغ الكمال في العلوم الطبيعية وترقية الصناعة والتجارة والسياسة القومية؟ وهل يمكن بعد التسليم بنظريتهم الزائغة أن تكون عبادة الله غير التزام القواعد والضوابط التي تساعد على بلوغ النجاح في السعي الفردي والاجتماعي فقط؟ وهل يبقي الشرك إذن عبارة عن شئ غير مزج هذه القواعد والضوابط المفيدة بالطرق المضرة؟ ولكن هل لأحد قد قرأ القرآن مرة بقلب مفتوح، وعينين مبصرتين أن يقول بأن هذه هي المعاني لكلمات الإيمان، والعمل الصالح، ودين الحق، والعبادة، والتوحيد، والشرك المذكورة في القرآن؟ الحقيقة أنه لا يكاد يقول بهذه المعاني إلا رجل لم يكن قد قرأ القرآن ولا مرة واحدة من بدئه إلى آخره، مع فهم معانيه، وإدراك مقاصده، وإنما أخذ آية من هنا وأخرى من هناك فحرفها وفقا لأهوائه ونظرياته وأفكاره، أو رجل ما زال عند قراءته للقرآن يبطل ويخطئ بزعمه جميع الآيات التي فيها دعوة للناس إلى الإيمان بالله ربا واحدا، وإلها لا شريك له، وبوحيه الذي أنزله على رسوله وسيلة وحيدة لمعرفة الهداية، وبكل نبي أرسله إلى الدنيا قائدا، يجب على الناس أن يطيعوه، أو فيها الأمر للناس باعتقاد حياة أخرى بعد هذه الحياة الدنيا، بل قيل لهم فيها أن لا فلاح للذين يريدون الحياة الدنيا فقط، وهم عن الآخرة غافلون.
وهذه الموضوعات قد أبدئ في ذكرها وأعيد في القرآن بكثرة، وبطرق مختلفة، وبألفاظ واضحة صريحة، حيث يتعسر علينا تصديق أن يقرأ أحد القرآن- بإخلاص وأمانة- ثم يقع في مثل الأخطاء والأغلوطات التي قد وقع فيها هؤلاء المفسرون الجدد لآية الاستخلاف، فالحقيقة أن المعنى الذي بينوه لكلمتي: الخلافة والاستخلاف، وعلى أساسه قد رفعوا بناءهم، إنما اختلقوه من عند أنفسهم، ولا يكاد يقول به أحد يعرف القرآن.
إن القرآن يستعمل كلمة الخلافة بثلاثة معان مختلفة، وفي كل موضع من مواضع