استعماله لهذه الكلمة نعرف بسياقها، وسياقها من دون شك في أي معنى من هذه المعاني الثلاثة قد استعملها. فمعناها الأول:(حمل أمانة السلطة والصلاحيات) وبهذا المعنى إن ذرية آدم كلها خليفة الله في الأرض. ومعناها الثاني:(ممارسة صلاحيات الخلافة تحت أمر الله التشريعي- لا تحت أمره التكويني فقط- مع التسليم بحاكميته العليا) وبهذا المعنى إنما المؤمن الصالح هو الخليفة في الأرض، لأنه هو الذي يؤدي حق الخلافة على وجهه الصحيح، وعلى العكس منه ليس الكافر والفاسق بخليفة لله، بل
هو خارج عليه، لأنه يتصرف في ملكه على طريق معصيته. ومعناها الثالث:(قيام أمة جديدة مقام أمة غالبة في عصر من العصور بعد انقراضها) المعنيان الأولان مأخوذان من الخلافة بمعنى النيابة، والمعنى الثالث مأخوذ من الخلافة بمعنى البقاء، والقيام مقام الغير، وهذان المعنيان لكلمة الخلافة معروفان في لغة العرب. فمن قرأ الآن آية الاستخلاف بهذا السياق والسباق فإنه لا يكاد يشك لطرفة عين في أن كلمة الخلافة قد استعملت في هذا المقام بمعنى الحكومة القائمة بحق نيابة الله تعالى، وفق أمره الشرعي، ولأجل ذلك يأبى الله تعالى أن يشمل المنافقين المدعين بإسلامهم في وعده الذي يقطعه للمسلمين في هذه الآية، فضلا عن أن يشمل فيه الكفار، ولأجل ذلك يقول: إنه لا يستحق هذا الوعد إلا المتصفون بصفات الإيمان والعمل الصالح، ولأجل ذلك يذكر سبحانه وتعالى من ثمرات قيام الخلافة في الأرض أن يقوم دينه الذي ارتضى، أي الإسلام، على الأسس القوية، ولأجل ذلك ذكر هذه النعمة مشترطة بأن يبقى المسلمون قائمين بحق عبادته يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً أما توسيع هذا الوعد إلى النطاق الدولي، والتقرب به إلى كل من كان له العلو والكلمة النافذة في العالم- أمريكا أو روسيا أو غيرهما- فإن هو إلا طغيان في الغي، وتماد في الجهل والضلال ولا غير.
وأمر آخر يجدر بالذكر في هذا المقام، هو أن هذا الوعد وإن كان شاملا للمسلمين في جميع الأزمان، ولكن الخطاب المباشر فيه لأولئك المسلمين الذين كانوا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. وحقا إن المسلمين كانوا في حالة شديدة من الخوف أيام نزول هذا الوعد، حتى كانوا لا يضعون سلاحهم، وما كان دين الإسلام قد تمكن لهم، حتى ولا في أرض الحجاز، ولكن هذه الحالة ما تبدلت في عدة سنوات بحالة الأمن والرفاهة والطمأنينة فحسب، بل تجاوز فيها الإسلام حدود جزيرة العرب، وانتشر في أكبر جزء