للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من إفريقية وآسيا، ولم ترسخ جذوره في منبت أرومته فقط، بل وفي أكثر أقطار الأرض. فهذا شاهد تاريخي بأن الله تعالى قد أنجز وعده في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. ولا يكاد يشك بعد ذلك رجل يقيم أدنى وزن للإنصاف في أن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان حق قد صادق عليه القرآن نفسه، وأن الله تعالى نفسه يشهد بكونهم مؤمنين صالحين. بيد أن من كان في ريب من ذلك، فعليه أن يراجع كتاب نهج البلاغة، ويقرأ فيه الكلام الآتي لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لما استشاره عمر في غزو الفرس بنفسه:

(إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيثما طلع. ونحن على موعد من الله تعالى حيث قال عز اسمه وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ .. والله منجز وعده وناصر جنده. ومكان القيم بالأمر (١) مكان النظام من الخرز: يجمعه ويضمه، فإذا انقطع النظام، تفرق الخرز وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبدا. والعرب اليوم وإن كانوا قليلين فهم كثيرون بالإسلام، عزيزون بالاجتماع، فكن قطبا واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب. فإنك إن شخصت (٢) من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما بين يديك.

إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولون: هذا أصل العرب، فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك (٣) وطمعهم فيك. فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين، فإن الله سبحانه هو أكره لمسيرهم، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما ما ذكرت من عددهم، فإنا لم نكن نقاتل في ما مضى بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة (٤).


(١) القائم به يريد الخليفة، والنظام هو السلك الذي ينظم فيه الحرز.
(٢) شخصت: خرجت.
(٣) انتقاضهم عليك للقتل.
(٤) نهج البلاغة ج ١ ص ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>