حتى لا يسمعونه، فهذا من هجرانه وترك الإيمان به، وترك تصديقه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدل عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه، فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء، أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه، من حفظ كتابه وفهمه والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يحبه ويرضاه إنه كريم وهاب.
٤ - وفي سبب نزول قوله تعالى وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يقول النسفي: (والمراد بالظالم عقبة بن أبي معيط لعنه الله تعالى وبفلان أبي بن خلف، فقد روي أنه كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاما فدعا عليه أهل مكة كلهم، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ويعجبه حديثه، وغلب عليه الشقاء، فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاما ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فقال: اطعم يا ابن أخي فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بالذي أفعل حتى تقول، فشهد بذلك وطعم عليه الصلاة والسلام من طعامه، فبلغ ذلك أبي بن خلف فأتاه فقال: أصبوت يا عقبة، وكان خليله فقال: والله ما صبوت ولكن دخل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم فشهدت له فطعم فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتفعل كذا، وذكر فعلا لا يليق إلا بوجه القائل اللعين ففعل عقبة فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم: لا ألقاك خارجا عن مكة إلا علوت رأسك بالسيف، وفى رواية إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا، فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج، فقال له أصحابه: اخرج معنا قال: قد وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك، فلو كانت الهزيمة طرت عليه، فخرج معهم، فلما هزم الله تعالى المشركين رحل به جمله في جدد من الأرض، فأخذ أسيرا في سبعين من قريش وقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر عليا كرم الله تعالى وجهه- وفي رواية ثابت بن أبي الأفلح- بأن يضرب عنقه، فقال: أتقتلني من بين هؤلاء؟ قال: نعم، قال: بم؟ قال: بكفرك وفجورك وعتوك على الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم صرح له بما فعل معه ثم ضربت عنقه، وأما أبي بن خلف فمع فعله ذلك قال: والله لأقتلن محمدا صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: بل أقتله إن شاء