٤ - احتج عمر بن العزيز على القدرية، أي الذين يكذبون بالقدر بآية لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً على إثبات القدر، وعلى خطئهم في زعمهم الكافر. قال ابن كثير:(وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه كتب كتابا إلى قوم من القدرية، في تكذيبهم بكتاب الله، وبأقداره النافذة في علمه السابق:
وموسى في علم الله السابق لفرعون عدو وحزن قال الله تعالى: وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ وقلتم أنتم لو شاء فرعون أن يكون لموسى وليا وناصرا والله تعالى يقول: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً).
٥ - نلاحظ من سياق القصة أن الله عزّ وجل إذا أراد إنقاذ أمة هيأ لها المنقذ، ومن ثم فإن وجود الرسول، أو المجدد، أو الوارث، أو الخليفة، أو القائد، له دوره الكامل في نقل الأمة من حال إلى حال، كما نلاحظ أن الله عزّ وجل إذا أراد شيئا هيأ له أسبابه، وأن كل معاندة مهما كان شأنها لا يمكن أن تخدم إلا مراد الله، ومن كلام ابن كثير في هذا المقام:(أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه من ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب، بل نفذ حكمه، وجرى قلمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك، وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وأنت تربيه وتدلّله وتتفداه، وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه، لتعلم أن رب السموات العلى هو القاهر الغالب العظيم، القوي العزيز، الشديد المحال، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن).
٦ - في المشهد الأول من هذه السورة دروس كثيرة لهذه الأمة في التعريف على أهمية القيادة، وفي الاطمئنان إلى فعل الله بعباده المؤمنين، وفي التدليل على صحة الإلهام، وفي ضرورة التوكل مع الأخذ بالأسباب، وغير ذلك من الدروس فلننتقل إلى المشهد الثاني في القصة: