القرآن يحوي كل المواضيع غير المتناهية التي تحتاجها البشرية، كما أن الكون يحوي كل الأشياء التي تحتاجها البشرية. وإذا كانت الوحدة فيه كالوحدة في هذا الكون، فذلك دليل أنه من عند الله، وهو موضوع سنكرر الكلام فيه شيئا فشيئا حتى نعرف أبعاده.
....
في هذا الكون تجد مجموعات ضمن الوحدة الكلية، كالمجموعة الشمسية بالنسبة لمجرّاتها، وتجد أقساما تضم مجموعات كالمجرّة بالنسبة للكون، وتجد الكون بمجموع مجرّاته، والمجموعة الشمسية تتألف من أجزاء كل جزء يشكّل وحدة مستقلة ضمن وحدة أكبر منها، وفي الجزء تجد وحدات أصغر منها، لها دورها المستقل ضمن وحدة كلية، فكذلك هذا القرآن، الآية ضمن السورة، والسورة ضمن المجموعة، والمجموعة ضمن القسم، والقسم ضمن القرآن، لكلّ دوره المستقل، مع أدائه دوره في الوحدة الأكبر منه، وهكذا نجد هذه المجموعة التي بين أيدينا، فلكل سورة منها محلّها ضمن مجموعتها، ومجموعتها تؤدّي دورا مستقلا ضمن إطار وحدة القسم، والقسم كله يؤدّي دورا.
....
تبدأ المجموعة بسور أربع تتحدث عن الإيمان وأثره العملي، وتبيّن أبعاده، وتأتي سورة الأحزاب لتأمر بمراعاة معان كثيرة هي بمثابة الطريق للوصول إلى المعاني المذكورة في السور الأربع، وما تحدّثت عنه السور الخمس يوصل إلى مقام الشكر، ومن ثمّ تأتي سورة سبأ، لتتحدث عن الشكر، وشروط حصوله. ثم تأتي سورة فاطر، لتبين نقطة البداية في طريق الشكر. ثم تأتي سورة يس، لتكمّل البناء ضمن الكلام عن مهمة الرسل الذين رسموا طريق الشكر.
....
وقد كان علينا من قبل أن نتحدّث عن موضوع الدور المستقل للسورة ضمن المجموعة، والدور المستقل للمجموعة ضمن القسم، ولكنّا أخرنا الكلام عن ذلك حتى لا يتشعّب الحديث، ولعلّنا بمناسبة الكلام عن هذه المجموعة نوفّي هذا الموضوع حقّه، لأن هذه المجموعة تكاد تكون نموذجا واضحا على ذلك.