٢ - فهم العلماء من قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ: أن صوم الوصال منفي. وقد ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن صوم الوصال. وهو أن يصل يوما بيوم آخر، أو أكثر. ولا يأكل بينهما شيئا. قالت السيدة عائشة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم.
فقالوا: إنك تواصل. قال:«إني لست كهيئتكم. إني يطعمني ربي ويسقيني». وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تواصلوا. قالوا: يا رسول الله إنك تواصل. قال فإني لست مثلكم. إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني. قال: فلم ينتهوا عن الوصال. فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين. ثم رأوا الهلال. فقال: لو تأخر الهلال لزدتكم». كالمنكل لهم. وثبت أن صوم الوصال من خصائصه صلى الله عليه وسلم.
وأنه كان يقوى على ذلك، ويعان. والأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنويا لا حسيا، وإلا فلا يكون مواصلا مع الحسي. وصوم الوصال عند الحنفية مكروه تنزيها وقد ذكر ابن كثير تحقيقا لطيفا في موضوع صوم الوصال قال:
(وأما من أحب أن يمسك بعد غروب الشمس إلى وقت السحر، فله ذلك كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تواصلوا.
فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر ... » أخرجاه في الصحيحين. وقال الإمام أحمد عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من السحر إلى السحر. وقد روى ابن جرير عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف أنهم كانوا يواصلون الأيام المتعددة. وحمله منهم على أنهم كانوا يفعلون ذلك رياضة لأنفسهم، لا أنهم كانوا يفعلونه عبادة. والله أعلم.
ويحتمل أنهم يفهمون من النهي أنه إرشاد من باب الشفقة كما في حديث عائشة «رحمة لهم». فكان ابن الزبير وابنه عامر، ومن سلك سبيلهم، يتجشمون ذلك ويفعلونه، لأنهم كانوا يجدون قوة عليه. وقد ذكر عنهم أنهم كانوا أول ما يفطرون على السمن والصبر. لئلا تتمزق الأمعاء بالطعام أولا. وقد روي عن ابن الزبير أنه كان يواصل سبعة أيام ويصبح في اليوم السابع أقواهم وأجلدهم. وقال أبو العالية: إنما فرض الله الصيام بالنهار. فإذا جاء الليل، فمن شاء أكل، ومن شاء لم يأكل»
٣ - في ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام، إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام، أو في آخر شهر الصيام كما ثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان، حتى توفاه الله عزّ وجل. ثم اعتكف أزواجه من بعده».