بأنواع السحر والطلاسم والنيرنجيات، فكلها محال وضلال عند أولي الألباب، كما أجرى الله سبحانه وتعالى على يد الأسود العنسي باليمن، ومسيلمة الكذاب باليمامة من الأحوال الفاسدة، والأقوال الباردة، ما علم كل ذي لب وفهم وحجى أنهما كاذبان ضالان، لعنهما الله، وكذلك كل مدّع لذلك إلى يوم القيامة حتى يختموا بالمسيح الدجال، فكل واحد من هؤلاء الكذابين يخلق الله تعالى معه من الأمور ما يشهد العلماء والمؤمنون بكذب من جاء بها، وهذا من تمام لطف الله تعالى بخلقه فإنهم بضرورة الواقع لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، إلا على سبيل الاتفاق، أو لما لهم فيه من المقاصد إلى غيره، ويكون في غاية الإفك والفجور في أقوالهم وأفعالهم، كما قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ الآية [الشعراء: ٢٢١، ٢٢٢]، وهذا بخلاف حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فإنهم في غاية البر، والصدق، والرشد، والاستقامة، والعدل فيما يقولونه، ويأمرون به، وينهون عنه، مع ما يؤيدون به من الخوارق للعادات، والأدلة الواضحات، والبراهين الباهرات، فصلوات الله وسلامه عليهم دائما مستمرا، ما دامت الأرض والسموات).
قال ابن كثير: روى ابن جرير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
«لو كتم محمد صلّى الله عليه وسلم شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله تعالى لكتم وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ».
أقول: إن كلام عائشة رضي الله عنها فيه إشارة إلى علامة من علامات نبوته عليه الصلاة والسلام، وهي ما نراه في هذا القرآن من عتاب لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أحيانا بمثل هذا الأسلوب الفوقي المتعالي، مما يدلك- وحده- على أن هذا القرآن من عند الله عزّ وجل، وأن محمدا عبده ورسوله.