البيت وأنتم محرمون بحج أو عمرة، فعليكم إذا أردتم التحلل أن تهدوا إلى البيت ما تيسر من بعير أو بقرة أو شاة. والمناسبة بين ذكر الإحصار وما قبله واضحة. فبعد أن أمر بإتمام الحج والعمرة ذكر ما يمكن أن يعرض دون هذا الإتمام. وما هو الحل لو حدث هذا العارض. وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. هل هذا الخطاب مرتبط بما قبله مباشرة فيكون خطابا للمحصرين، أو هو معطوف على وَأَتِمُّوا فيكون خطابا للحجاج والمعتمرين؟ فإن كان الخطاب للمحصرين، وهو الذي رجحه ابن جرير، وهو مذهب الحنفية، كان المعنى: لا تحلوا من إحرامكم بحلق الرأس حتى تعلموا أن الهدي الذي بعثتموه إلى الحرم قد بلغ محله، أي: مكانه الذي يجب نحره فيه، وهو الحرم. إذ عند الحنفية لا يذبح دم الإحصار إلا في الحرم. وعلى الاتجاه الثاني يكون المعنى: ولا يجوز لكم أن تحلقوا رءوسكم بعد إحرامكم حتى تنحروا هديكم يوم النحر. وذلك يكون بعد الإفاضة من عرفات ثم مزدلفة. وبعد رمي جمرة العقبة في يوم النحر. والمحصر على من فهم النص هذا الفهم كالشافعية ينحر حيث أحصر. ولكن لا إحصار عندهم إلا من عدو. واستدلوا لمذهبهم بنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية خارج الحرم. والقضية خلافية. والربط بين هذا النص والذي قبله على الاتجاه الأول قد رأيناه. وأما على الاتجاه الثاني، فإن السياق يكون قد اتجه بعد الأمر بالإتمام إلى التفصيل في الأحكام.
وقد فهمنا من النص السابق أن التحلل من الإحرام إنما يكون بالحلق. وهذا يعني أنه لا حلق أثناء الإحرام. فإذا وجدت الضرورة فما العمل؟. قال تعالى:
فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ أي: فمن كان منكم به مرض يحوجه إلى الحلق، أو به أذى من رأسه كالقمل، والجراحة التى تحوج إلى الحلق، فعليه إذا حلق فدية. هذه الفدية إما صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع من بر أي: ما يعدل كيلوين حنطة، أو يذبح شاة. وهو المراد بالنسك. ومذهب الأئمة الأربعة وعامة العلماء أنه يخير في هذا المقام، إن شاء صام، وإن شاء تصدق، وإن شاء ذبح شاة وتصدق بها على الفقراء. أي ذلك فعل أجزأه. وإذا كان النص في معرض بيان الرخصة، فقد جاء بالأسهل فالأسهل. أخرج الإمام أحمد عن كعب بن عجرة قال: أتى علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أو قد تحت قدر. والقمل يتناثر على وجهي، أو قال حاجبي فقال:«يؤذيك هوام رأسك»؟ قلت: نعم. قال: «فاحلقه وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو