وغافر .. والشورى .. والجاثية .. ولكنّ كلا من هذه السور فصّل بشكل يكمّل تفصيل الأخرى وإن كان الجميع يفصّلون في المقدمة، وقد يكون تركيز سورة من هذه السور على آية من المقدمة، فتكون هي محورها، وقد تفصّل سورتان في آية واحدة ولكنّ كلا منهما تفصل في حيثية معينة من المحور، وهكذا يتنوّع التفصيل: تجد السورة التي تفصّل في الآية الأولى من مقدمة سورة البقرة كسورة يونس عليه السلام، وتجد السورة التي تفصّل في الآيات الخمسة الأولى من المقدمة كسورة آل عمران. ونجد السورة التي تفصّل في الآيتين التاليتين كالأنبياء من حيثية معينة، وتجد السورة التي تفصل في نفس الآيتين ولكن من حيثية أخرى كسورة ص وسورة غافر، وتجد السورة التي تفصل في الآيات السبع كالجاثية. وهكذا تجد الأنواع المتعددة للتفصيل لمقدمة سورة البقرة أو لبعضها بشكل عجيب.
فإذا انتقلت إلى الآيات التي تأتي بعد المقدمة مباشرة تجد الشئ نفسه. فتجد سورة النساء تفصل في كلمة التقوى، وتجد سورة هود تفصل في كلمة العبادة، وتجد سورة الحج تفصّل في التقوى والعبادة والتوحيد، وتجد السور الثلاث تفصّل في آيتين فقط مما يأتي بعد المقدمة، ثم تجد سورة الأحزاب تفصّل في الآيات السبع التي تأتي بعد المقدمة من سورة البقرة. وهكذا تجد إبداعا في التفصيل والعرض لا يخطر على بال بشر.
فكما أن مرجع الأشياء كلها في هذا الكون- وما أكثرها- إلى حوالي مائة عنصر منها تتركب مجموعة الأشياء التي يبدو أن كلا منها له ذاتيته المستقلة. وكما أن مجموع العناصر مرجعه إلى شيئين اثنين: إلكترونات وبروتونات، تتكاثر في الذرة الواحدة فيحدث عنصر جديد. فإنك تجد في القرآن الشئ نفسه، إذ تجد أن مجموعة سور القرآن تفصّل في معان موجودة في سورة واحدة، ولكنه تفصيل مدهش عجيب يتركب من هذا كله (١١٤) سورة، نستطيع أن نستخرج من هذه المائة والأربع عشرة