للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكل صامت. كل متحرك وكل ساكن. كل ماض وكل حاضر. كل معلوم وكل مجهول. كل شئ ... خلقناه بقدر.

قدر يحدد حقيقته. ويحدد صفته. ويحدد مقداره. ويحدد زمانه. ويحدد مكانه.

ويحدد ارتباطه بسائر ما حوله من أشياء. وتأثيره في كيان هذا الوجود.

وإن هذا النص القرآني القصير اليسير ليشير إلى حقيقة ضخمة هائلة شاملة، مصداقها هذا الوجود كله. حقيقة يدركها القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود، ويتجاوب معه، ويتلقى عنه، ويحس أنه خليقة متناسقة تناسقا دقيقا. كل شئ فيه بقدر يحقق هذا التناسق المطلق. الذي ينطبع ظله في القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود.

ثم يبلغ البحث والرؤية والتجربة من إدراك هذه الحقيقة القدر الذي تهيئه هذه الوسائل، ويطيقه العقل البشري، ويملك معرفته عن هذا الطريق. ووراء هذا القدر يبقى دائما ما هو أعظم وأكمل، تدركه الفطرة وينطبع فيها بتأثير الإيقاع الكوني المتناسق فيها، وهي ذاتها بعض هذا الكون المتناسق المخلوق كل شئ فيه بقدر.

ولقد وصل العلم الحديث إلى أطراف من هذه الحقيقة، فيما يملك أن يدركه منها بوسائله المهيأة له ... وصل في إدراك التناسق بين أبعاد النجوم والكواكب وأحجامها وكتلها وجاذبيتها بعضها لبعض إلى حد أن يحدد العلماء مواقع كواكب لم يروها بعد؛ لأن التناسق يقتضي وجودها في المواضع التي حددوها. فوجودها في هذه المواقع هو الذي يفسر ظواهر معينة في حركة الكواكب التي رصدوها ... ثم يتحقق هذا الذي فرضوه. وبدل تحقيقه على الدقة المتناهية في توزيع هذه الأجرام، في هذا الفضاء الهائل، بهذه النسب المقدرة، التي لا يتناولها خلل أو اضطراب!

ووصل في إدراك التناسق في وضع هذه الأرض التي نعيش عليها، لتكون صالحة لنوع الحياة التي قدر الله أن تكون فيها إلى حد أن افتراض أي اختلال في أية نسبة من نسبها يؤدي بالحياة كلها، أو لا يسمح أصلا بقيامها. فحجم هذه الأرض، وكتلتها، وبعدها عن الشمس وكتلة هذه الشمس، ودرجة حرارتها. وميل الأرض على محورها بهذا القدر. وسرعتها في دورتها حول نفسها وحول الشمس. وبعد القمر عن الأرض.

وحجمه وكتلته. وتوزيع الماء واليابس في هذه الأرض ... إلى آلاف من هذه النسب المقدرة تقديرا، لو وقع الاختلال في أي منها لتبدل كل شئ؛ ولكانت هي النهاية

<<  <  ج: ص:  >  >>