جفت الأقلام وطويت الصحف» وروى الإمام أحمد عن أيوب بن زياد حدثني عبادة ابن الولد بن عبادة حدثني أبي قال: دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه الموت فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي فقال: أجلسوني فلما أجلسوه قال: يا بني إنك لم تطعم الإيمان ولم تبلغ حق حقيقة العلم بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت:
يا أبتاه وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن أول ما خلق الله القلم ثم قال له اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة» يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار. ورواه الترمذي عن عطاء بن أبي رباح عن الوليد بن عبادة عن أبيه به وقال: حسن صحيح غريب. وروى سفيان الثوري عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر خيره وشره» وكذا رواه الترمذي، ورواه من حديث أبي داود الطيالسى عن علي فذكره وقال: هذا عندي أصح، وكذا رواه ابن ماجه عن ربعي عن علي به، وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد الله بن وهب وغيره عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة» زاد ابن وهب: «وكان عرشه على الماء» ورواه الترمذي وقال: حسن صحيح غريب).
أقول: قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ يحتمل وجهين: أن يكون القدر بمعنى المقدر، فيكون المراد هو المعنى المشهور الذي يذكر مع القضاء، قال الألوسي:(وحمل الآية على ذلك هو المأثور عن كثير من السلف) وجوز أن يكون المعنى إنا كل شئ خلقناه مقدرا محكما مستوفى فيه مقتضى الحكمة التي يدور عليها أمر التكوين، فالآية من باب وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً، وبين المعنى الأول والمعنى الثاني نوع تلازم، وعلى ضوء هذا التلازم تكلم صاحب الظلال عن هذه الآية فقال رحمه الله:
(إن ذلك كله، وكل صغيرة وكبيرة مخلوقة بقدر، مصرفة بقصد، مدبرة بحكمة لا شئ جزاف. لا شئ عبث. لا شئ مصادفة. لا شئ ارتجال.
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ كل شئ ... كل صغير وكل كبير. كل ناطق